ليس فينا يا إسراء.. معتصم

نعم، تلك كانت قصة الأمير الذي رفض المبيت في فراشه متنعماً بينما تُسحل امرأة مسلمة ثم تسجن وتبيت بعيدة عن أهلها، تحرك الأمير بدافع النخوة لا بدافع الشهوة والشهرة، ولأنه كان صادقاً مع الله، صدقه الله فأجابه على مبتغاه، وخلد ذكره بعد رحيله بأن جعل قصته مثار فخر للأجيال.

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/24 الساعة 05:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/24 الساعة 05:11 بتوقيت غرينتش

أسمعتم أو قرأتم عن قصة المرأة التي حركت الرجولة في جسد الأمير فدفع بكل ما يملك من أجلها؟ لكن، لا لكي يتوسل لها أن توافق على أن تعطيه من وقتها ليلة يقضيها معها ويستمتع بها ثم يدفع لها ملايين الدولارات، بل حركت فيه الرجولة ليحرك جيشاً بأكمله حينما علم أنها تعرضت لسوء، تلكم الحكاية.

تقول إحدى الروايات: إن رجلاً قدم للمعتصم ناقلاً له حادثة شاهدها قائلاً: يا أمير المؤمنين، كنت بعمورية فرأيتُ امرأة عربية في السوق مهيبة جليلة تسحل إلى السجن، فصاحت في لهفة: وامعتصماه.. وامعتصماه.

فأرسل الرجل الأمير المعتصم رسالة إلى أمير عمورية قائلاً له: من أمير المؤمنين إلى كلب الروم، أخرج المرأة من السجن، وإلا أتيتك بجيش بدايته عندك ونهايته عندي.

لم يستجب الأمير الرومي، فانطلق المعتصم بجيشه ليستعد لمحاصرة عمورية فمضى إليها، فلما استعصت عليه قال: اجعلوا النار في المجانيق وارموا الحصون رمياً متتابعاً ففعلوا، فاستسلمت، ودخل المعتصم عمورية فبحث عن المرأة، فلما حضرت قال لها: هل أجابك المعتصم؟ قالت: نعم.
فلما استقدم الرجل قالت له: هذا هو المعتصم قد جاء وأخزاك، قال: قولي فيه قولك؟ قالت: أعز الله ملك أمير المؤمنين، بحسبي من المجد أنك ثأرت لي، بحسبي من الفخر أنك انتصرت، فهل يأذن لي أمير المؤمنين في أن أعفو عنه وأدع مالي له؟ فأعجب المعتصم بمقالها وقال لها: لأنت جديرة حقاً بأن حاربت الروم ثأراً لك، ولتعلم الروم أننا نعفو حينما نقدر.

نعم، تلك كانت قصة الأمير الذي رفض المبيت في فراشه متنعماً بينما تُسحل امرأة مسلمة ثم تسجن وتبيت بعيدة عن أهلها، تحرك الأمير بدافع النخوة لا بدافع الشهوة والشهرة، ولأنه كان صادقاً مع الله، صدقه الله فأجابه على مبتغاه، وخلد ذكره بعد رحيله بأن جعل قصته مثار فخر للأجيال.

في يوم 11/10/2015، اعتقلت القوات الصهيونية السيدة الفلسطينية إسراء جعباص، 32 عاماً، وهي متزوجة وأم لطفل، بعد احتراق مركبتها قرب حاجز الزعيّم، وتعرضها لحروق شديدة في كافة أنحاء جسدها، مكثت على أثرها فترة طويلة في مستشفى هداسا عين كارم، قبل أن يتم تحويلها إلى سجن الشارون للنساء، وهي بحاجة ماسة لإكمال علاجها؛ حيث كانت حجة الاحتلال أن إسراء جعباص حاولت تنفيذ عملية دهس بواسطة مركبتها على الحاجز المذكور؛ ليكون عقابها أن أصدرت المحكمة المركزية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، حكماً بالسجن لمدة 11 عاماً بحقها.

في السجن اجتمع على إسراء ألم النفس وألم الجسد؛ حيث أرسلت رسالة مؤلمة تقول فيها: (أنا كل يوم أنظر إلى المرآة أتألم بصمت، ونفسيتي تتحطم في كل يوم، فأنا بحاجة إلى علاج نفسي لأتمكن من مواجهة واقعي المؤلم، فأنا أشعر بالخوف من وجهي عندما أنظر لنفسي بالمرآة فكيف بالآخرين؟ أحاول أن أساعد نفسي ولكن بدون جدوى، أنا بحاجة للعلاج، وبحاجة لإجراء عمليات جراحية لأتمكن من العيش مع هذا الوضع الصعب، ولو أن مرضي كان قاتلاً لكنت استسلمت لقضاء الله وللموت، ولكن ما أعاني منه يمكنني أن أتعايش معه إذا أجريت العمليات وإذا تم علاجي بشكل إنساني.

أنا أعاني من تشنجات في اليدين والقدمين، وهذه التشنجات تمنعني من القيام بأموري اليومية، وأنا دائماً بحاجة إلى البنات من أجل القيام بأبسط الأشياء، وهذا الأمر يؤلمني ويجعلني أشعر بأنني أقل من غيري، أحس بالإهانة، وأشعر بالخجل، وتعز عليَّ نفسي لأنني بحاجة دائمة إلى الآخرين).

هذه قصة الأسيرة الفلسطينية الماجدة إسراء جعباص التي تركناها وحيدة تعاني في سجنها مع أخواتها الأسيرات الماجدات، وهنا أسألُ: كم من معتصمٍ نحن بحاجة إليه في هذا الزمن الذي تُهان فيه أعراضنا ومقدساتنا وتُسحلُ فيه نساؤنا وتُسجن وتُعذب وحكامنا يبيتون في فراشهم يتنعمون بما لذ وطاب من طعام وشراب ونساء، ونسوا أن الله سائلهم عن رعيتهم؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد