مَن أنا.. وماذا أكون؟

لا أريد أن أكون أميركياً، ألمانياً، أو حتى ربما فلسطينياً، ولكن ما أريده فعلاً هو أن أكون ولو ليوم واحد صادقاً مع نفسي، مشاعري، وحتى أفكاري واعتقاداتي.

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/20 الساعة 03:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/20 الساعة 03:09 بتوقيت غرينتش

وصلت إلى ألمانيا في عام 2015، كنت قد عرفت قبلها أن الفلسطينيين المقيمين في أوروبا بشكل عام، وألمانيا خاصة، لا يُعترف بجنسيتهم، حتى لو حملوا كل الأوراق الرسمية التي تثبت إلى أي جماعة أو طرف أو حتى شعب ينتمون.

لم أكن أتخيل أبداً أن تكون صعوبة إثبات الجنسية أكبر من صعوبة تعلم اللغة وحتى الاندماج داخل المجتمع الجديد، فكلاجئ فلسطيني قادم من سوريا، أحمل وثائق سورية خاصة باللاجئين الفلسطينيين، تذكرة الإقامة وحتى وثيقة السفر، سيصعب عليك تفسير هذه الحالة لمن هم بأسوأ الأحوال غير مطلعين عليها.

دائماً ما راودني سؤال: من أنا؟ وماذا أكون؟ وما هي جنسيتي؟ وأي أفكار أو معتقدات تمثل شخصيتي؟ هي أسئلة كان عليَّ الإجابة عليها بشكل يومي لمن يسألني، فداخل المجتمع العربي الموجود في ألمانيا، أعتبر سورياً ولي الفخر بذلك، وداخل المجتمع الألماني، يعتبرونني عربياً مسلماً، حتى لو كنت أعتنق أفكاراً وأيديولوجيات أخرى، أما بالنسبة للمؤسسات الحكومية الألمانية، السورية وحتى الفلسطينية، أنا لا شيء.

لا أقصد هنا الإساءة لأحد، ولكن في رحلة البحث عن الهوية، عليك دائماً أن تجد ما يمثلك؛ لأنك بدون أفكار ومبادئ تعتبر شخصاً فارغاً لا ولن يكون له أثر في هذه الحياة.

أنا لاجئ فلسطيني مولود في مخيم اليرموك، جنوب العاصمة السورية دمشق، وزوجتي فلسطينية من الضفة الغربية، تحمل جواز سفر فلسطينياً، تستطيع من خلاله الدخول والخروج من الأراضي الفلسطينية.

ولكن مع وصولنا إلى ألمانيا تم اعتبارنا عديمي الجنسية، وذلك لعدم اعتراف الحكومة الألمانية، وبالتالي دوائرها الرسمية في كل المقاطعات والمدن، بما يسمى فلسطين، وبالتالي يصنف الفلسطيني على أنه غير معروف الجنسية أو عديم الجنسية.

بعد قراءة واستفسار حول القانون الألماني ووضع الفلسطينيين فيها، توصلت إلى معرفة أن الطفل المولود في ألمانيا بعد عام 2001، لوالدين عديمي الجنسية، يتم منحه الجنسية الألمانية بعد مرور خمس سنوات على ولادته، وبالتالي تجدد الأمل عندنا، على الأقل بأن ابننا سيحمل يوماً ما جنسية، تمكنه من التعريف بنفسه وبالتالي حرية التنقل والاختيار، ولكن صدمنا بواقع آخر، فعندما تم تسجيل الطفل في مكتب الأجانب، تم اعتباره أنه أردني الجنسية، وهو ما لم نفهمه حتى يومنا هذا، وطبعاً ما زالت محاولاتنا مستمرة للحصول على تفسير عن هذا اللغط، ولم نحصل إلى الآن على إجابة شافية ووافية.

في يوم من الأيام وبعد محادثة قصيرة، مع إحدى الصديقات الألمانيات، حول الجنسيات والثقافات، طرحت عليّ سؤالاً: بالرغم من افتخارك بأنك فلسطيني وتطالب بحق عودتك إلى أراضيك وممتلكات أهلك في فلسطين، إذا استطعت الحصول على الجنسية الألمانية يوماً ما هل ستقبل بها؟ كان جوابي وبلا تردد: نعم؛ لأنني أريد أن أعيش شعور السفر من مكان إلى آخر بدون قيود، بدون أحكام مسبقة حول بيئتي التي نشأت وترعرعت فيها، بدون الحصول على رفض لطلبي بناء على جنسية، أحملها ولا أحملها، أو بالأحرى بناء على جنسية، تحلم يوماً ما أن يكون لديها وطن، يعترف به وبأبنائه.

أعرف أنه ليس لديَّ الحق بأن أتخلى عن كفاح ونضال أكثر من ستين عاماً، لاستعادة حقوق مسلوبة بالقوة من قِبَل أشخاص لا يملكونها، ولا أملك الحق للتخلي عن أحلام طفولتي، بفلسطين كاملة، ولا حتى بذكرياتني مع أصدقائي، فقط لسبب أناني كهذا، ولكنني أعتقد أنه عندما نكون أكثر مرونة في التعامل مع قضيتنا ربما سنحصل يوماً ما على دعم أكبر ولربما لم نكن لننتظر أكثر من ستين عاماً من أجل استعادة تلك الحقوق والأرض المسلوبة.

لا أريد أن أكون أميركياً، ألمانياً، أو حتى ربما فلسطينياً، ولكن ما أريده فعلاً هو أن أكون ولو ليوم واحد صادقاً مع نفسي، مشاعري، وحتى أفكاري واعتقاداتي.

فالحياة بالنسبة لي، ليست ديناً ولا هوية، ليست جنسية ولا حتى بلداً، بل هي حياة مليئة بمشاعر الأخوة بين جميع الناس، حياة تنتمي فيها لأصدقائك، ولعائلتك ولآدميتك، بكل بساطة حياة بلا أحكام مسبقة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد