الوصف: محمد عماد، هو محارب للسرطان، توفّي في ديسمبر/كانون الأول الماضي من عام 2017 بعد معاناة مع المرض، ولكن مما هو جدير بالقلم ليكتب عنه، أنه من القلة الذين وضعو للألم حدوداً في الحب، وفيما أعطاه لكثيرين ممن عرفه خلال فترة علاجه في مركز الحسين للسرطان – عمان، الأردن؛ هذه القصة المتتالية الفصول -إن شاء الله- ستروي بعضاً من حبه ومواقفه وروايات من أهله وأصدقائه ومن أحبوه، قراءة ممتعة.
ينادونني بالمحارب، المقاتل ذي الأمل، أو بالأحرى فاقد الحياة التي أعطاها، ولكنني الآن لست هنا لأشارككم هذا كله.
الفصل الأول: مَن أكون أنا؟
لستُ أعلم حقاً ما الذي أقوله، فمنذ بدايات مرضي رمقني الكثيرون بنظرات الرفق والشفقة "مسكين راح يموت بشبابه"، "شوف كيف بتبسم وجهه مثل القمر حتى وهو بحالته هاي"، "يا ريت عندي نص قوته"، وبعضهم بمعنى اللامبالاة، وكثير من عبارات الأمل والتنبؤات العقيمة وغيرها من الأقاويل التي تنمّ عن اللامعنى لأصحابها، والتي اعتدت سماعها كلها في قلوبهم وأعينهم دون أن يقولوها.
بدأ المرض اللعين في جولته الأولى في عظامي، هذا القصب الأبيّ الطويل الذي خانني تباعاً منذ نهاية عام 2015، رغم أنني قاومته بكل سُبلي وبحبي لهن كما رعيتهم طوال العشرين التي مضت، إلا أن جذور اللعنة امتدت لرئتي التي تقاعست عن حمايتي، لكن لا مشكلة لطالما كنت أنا أقوى منهن، فأنا من أملك إرادتي وحبي للحياة، دائماً اعتدت أن أقول لمن يلازمونني من عائلتي والذين رافقوني الحرب الضارية في مركز الحسين للسرطان إن هذه اللعنة الخبيثة ليست أقوى منا، بل نحن أقوى منها، وبذلك فُزت بحبهم ورعايتهم لي حتى بعد مماتي.
حقاً لست أنا من يكتب الآن، فلديَّ الكثير من القصص تروى ممّن أحبوا الحياة من بعدي، لديَّ الكثير من الابتسامات والوجل المخفي تحت كل حقنة يرضخ لها جسدي من قبل.
عشت طفولة جميلة، مليئة بحب أمي ومليئة بقلبها وخوفها عليّ وجلية وواضحة بانتظارها لأُكمل عقدي العشرين؛ لتبدأ باختيار شريكة حياتي، لا بأس، سيكون لديها وقت أكثر الآن لتدعو لي مليّاً رغم أنني لا أحب ملأ عينيها الغزير كل يوم وقبل كل فرض وسُنة ونافلة ما كانت لتتركها يوماً.
أنا لست من الذين يحبون التكلم كثيراً، ولكنني من المبتسمين دوماً، رغم أنني أعتصر.
قال لي الطبيب ذات مرة وهو يلِج إلى سريري بعدما رأيت في هامتِه التعب، إنه لم يرَ مثلي يوماً، وقال حينها: "الغريب أنه كثير من اللي بييجوا هون بيكونوا ناويين ع الموت أو شايفينه بوجوههم وبيضلوا زعلانين حتى مع شفاءهم، شو سرك انت؟"، قال وهو يُقَلب أوراق الفحوصات الجديدة، فرددت حينها: "في وقت كثير أفكر بالموت، هسا بفكر كيف أقنعك تضحك، آه انت اضحك واحمد ربك وصدّقني لو اجا حق الموت، المهم إنه أنا ألاقيه وأنا أقوى من المرض"، قلتها له وأنا أشعر بحرقة الكيماوي الذي يتدفق في شراييني مع كل حرف قُلته.
نعم هذا أنا، محارب السرطان الذي عُرف بابتسامته، رغم قتالي البالغ للقوة، فإن المرض غلبني في آخر جولة، أنا محمد عماد، وهذه قصّتي التي تُروى بحبّ على فصول.
(يُتبَع).
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.