كيف استقبلت غزة عام 2018؟

ربما درجت العادة أن يستقبل العالم العام الجديد بالمزيد من الطقوس التي لا تخلو من آثام ومعاص، والتي يرفضها شرعنا الحنيف وعاداتنا العربية الأصيلة، وتراهم ينفقون في سبيل ذلك مبالغ طائلة.

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/20 الساعة 02:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/20 الساعة 02:01 بتوقيت غرينتش

ربما درجت العادة أن يستقبل العالم العام الجديد بالمزيد من الطقوس التي لا تخلو من آثام ومعاص، والتي يرفضها شرعنا الحنيف وعاداتنا العربية الأصيلة، وتراهم ينفقون في سبيل ذلك مبالغ طائلة.

لكن في غزة كانت طريقة استقبال العام الجديد جديدة وفريدة وجديرة بالاحترام. فغزة ورغم أن الحصار قد أحكم حلقاته على كل تفاصيل الحياة بهدف خنقها، وزرع الشوك في دربها حتى تتورم قدماها فترفع الراية البيضاء مستسلمة، وتخلو الدنيا ممن يقول (لن نعترف بإسرائيل)، إلا أنها استقبلت عامها الجديد بالمزيد من المفاجآت التي أثلجت صدور قوم مؤمنين، وأغاظت الأعداء فحزنوا على ما بذلوه من جهود، وما أنفقوه من أموال؛ كي يدمروا غزة بمن فيها وبما فيها.

لكن أهل غزة أصحاب الإرادة والمبادئ قالوا كلمتهم وافتتحوا العام الجديد بحدثين مهمين لكل حدث دلالات وأبعاد.

الأول: حملة صلاة الفجر التي شملت كافة مساجد القطاع؛ حيث اجتهد الشباب في تحفيز أنفسهم وغيرهم عبر وسائل دعوية عديدة.
وبفضل الله اقتربت المساجد في صلاة الفجر كما صلاة الجمعة.

إن صلاة الفجر هي التي تصنع جيل التحرير، وكما ذكر المؤرخون بأن صلاح الدين الأيوبي كان يختار جنده من رواد صلاة الفجر، باعتبار أن من ينتصر على نفسه سينتصر حتماً على عدوه.

وكان حينما يسير بين خيام الجنود متفقداً لهم يسمع صوتاً يتلو القرآن يقول: من هنا يأتي النصر، وإذا عرفهم نياماً قال: من هنا تأتي الهزيمة.
إن هذه الحملة قد لاقت استحساناً كبيراً عند الناس الصادقين، بينما الصهاينة نظروا لها على أنها تطور خطير وتؤثر سلبياً على بقائهم، واستذكروا مقولة لأحد زعمائهم بأنه إذا رأيتم المسلمين في صلاة الفجر كما في صلاة الجمعة فاعلموا أن زوالكم قد اقترب.

أما المنافقون والذين في قلوبهم مرض قالوا بأنهم لن يسمحوا بنقل هذه الأفكار إلى الشطر الثاني من الوطن، معللين ذلك بأن هذا الأمر فيه إزعاج للناس النائمين، خاصة الأطفال والمرضى.

الحدث الثاني: حملة سامح تؤجر

رب فكرة أو كلمة بسيطة لا تلقي لها بالاً تفتح أبواب الخير للجميع، وتكون عاملاً محفزاً لهم لل
تنافس والتسابق نحو الخير.

سامح تؤجر هي من بنات أفكار أهل غزة، بدأها تاجر من محافظة النصيرات وعبر إعلانه على مواقع التواصل الاجتماعي بأنه قد سامح كل الزبائن في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها.

ولأن بذرة الخير متأصلة في نفوس شعبنا، فقد سارع أصحاب اليسرة إلى إعلان مواقفهم، فأحدهم سامح سكان العمارة التي يمتلكها من أجرة الشقق السكنية، والأطباء تطوعوا لعلاج المرضى بالمجان في عياداتهم الخاصة، والمحامون استعدوا لإجراء بعض المعاملات القانونية بالمجان، وبعض المحلات التجارية تبرعت بسلال غذائية للأسر المعدمة، والمزارعون جهزوا بعضاً مما جاد الله به عليهم من خضار وفاكهة لتوزيعها على الفقراء.

سامح تؤجر رائعة، ويجب أن تستمر وتصبح فلسفة حياة، حتى يعلم الجميع ممن يحاصر غزة بأن أهل غزة لن يستسلموا لواقعهم المر، وأنهم مستمرون في التعاون والتعاضد حتى تزول سحابة الحصار.

لكن ورغم جمال الحملة فلي ملاحظة أن من تبرع وأعفى زبائنه من الديون قد ساوى بين الزبون المعدم والزبون صاحب الدخل. فجميل لو سامح الزبون صاحب الدخل بنصف ما عليه، وأخذ النصف الآخر وتبرع به لعائلة فقيرة أخرى.

حملة صلاة الفجر وسامح تؤجر هي باكورة أعمال وأفكار أبناء غزة، والقادم أجمل بإذن الله، وكما قال الشاعر الفلسطيني محمود درويش: هو أسلوب غزة في إعلان جدارتها بالحياة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد