مقتل فخر الدين: رواية عز الدين شكري

مقتل فخر الدين الرواية الأولى للكاتب عز الدين شكري ورغم أنها صدرت قبل باقي رواياته بما يزيد على عقد من الزمان (1995) فإنها يمكن أن تكون جزءاً أول من ثلاثية جزآها الآخران روايتاه، أبو عمر المصري، وغرفة العناية المركزة.

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/18 الساعة 23:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/18 الساعة 23:51 بتوقيت غرينتش

هو إذن فخر الدين، الذي تبدأ كل الحكايات من حيث يلقى مصرعه على أيدي قوة غامضة، مصري من أبناء الشعب الذين يعيشون بالشعب وله، يمارس مهنة المحاماة، مكتبه طاولة مقهى في الحي الشعبي بين السرايات، يدافع عن المقهورين المظلومين، ويتعاون معه مجموعة محامين يلتقونه على مقهى الحي، يحيل إليهم قضايا الذين لا يملكون الوصول إلى مكاتب المحامين، المكاتب التي هجرها فخر الدين؛ لأنها تعتني بالترافع عن قضايا المجرمين الكبار، والتي تهمل القضايا العادلة للبسطاء الذين لا يملكون دفع تكاليفها الباهظة، فيظلمون مرتين؛ الأولى في الواقع، والثانية في المحكمة حين يجد ظالمهم من يدافع عنه، بينما لا يملكون مَن يسندهم فيتأكد ظلمهم أمام عدالة القضاء، يقتل فخر الدين في جريمة غامضة، ويطوى قيد قضيته فتسجل ضد مجهول، لكن صحوة ضمير غير متوقعة عند أحد المحققين تجعل هاجس البحث عن القاتل أمراً مُلحاً في نفسه! هنا تبدأ رحلة بحث مضنية..

بعد هذه الرحلة ينتهي المحقق إلى أن هناك مجموعة من البشر كلهم فخر الدين، وكلهم ينتمون إلى الإنسانية الأصيلة بمعناها المكرم، وكلهم يحمل نفس الرسالة الأخلاقية التي يستودعها فيهم معلم يحمل دستور الإنسانية، يشعر كل منهم أنه موكّل بتحقيق هذه المعاني الخيرة في المجتمع.

لكنّ كلا منهم ينتهي بالاغتيال من خلال قوى غامضة، قوى لا تبدو خارجة عن المجتمع، لكن من الواضح أنها بدلاً من أن تعمل لحماية المجتمع من الفساد، تجعل المجتمع نفسه أداة للفساد وحامية له.

فخر الدين الأول ينتهي على يد عمه وزوج خالته والوصي عليه في يتمه والوصي أيضاً على ميراث الأسرة، يرفض فخر الدين المداراة المعيبة للفضيحة من أجل حفظ ميراث الأسرة كي لا يُقتسم مع زوج لابنة عمه من خارج العائلة، يكلف فخر الدين هذا الرفض حياته، ميراث الأسرة أولى بالحياة.

فخر الدين الثاني يغتاله جهاز الاستخبارات بعد اغتياله معنوياً على أيدي زملائه في الجامعة الذين يشاركونه العمل السياسي الهادف لحماية مستقبل الجامعة وأبنائها ومجتمعها من تسلّط قوى الأمن، في مسيرته الكفاحية السامية يجد نسبة مهمة من زملائه وقد باعوا أنفسهم لقوى الشر؛ ليصبحوا جواسيس على زملائهم وخالقي فتن وصراعات بين قوى المجتمع الطلابي، وهكذا تتحول قوى المستقبل لتصارع نفسها بدلاً من أن تقود إلى تغير إيجابي في مجتمعها.

فخر الدين الثالث المجند في الجيش يرفض مشاركة جيشه في الحرب ضد العراق؛ لأن هذا يتنافى مع مفهومه الأخلاقي لوظيفة الجيش في مصر، ورغم وضوح المسألة في استحقاقه حكماً بالإعدام عقوبة على التمرد، فإن ذلك لا يغير من قناعاته ولا يحيدها لتبقى له حياته.

فخر الدين الرابع تقتله قوى غامضة أخرى، بعد أن يغتال معنوياً بالانفصال عن خطيبته المفترضة؛ لأنه لا يستطيع تأمين منزل الزوجية، فتجنبه العمل إلا من أجل المظاليم الفقراء الذين لا يملكون نفقة محاميهم يجعله دائماً فقيراً بالمادة مهما اغتنى بالعدالة التي يحققها لمن حرمها.

أما الاغتيال المعنوي الآخر أن تقفل في وجهه مكاتب المحاماة؛ لأن قانونه الأخلاقي يحرم الدفاع عن المجرمين وتبرئتهم، ويحرم قبول قضاياهم، بل إن قبلها وتبينت له جرائمهم، فإنه سينتقل في المحكمة ليأخذ مكان النائب العام فيدينهم ويوقع عليهم العقوبة غير عابئ بخسارة مكتب المحاماة الذي يمثله للقضية، ولا مكترث بما يشكله ذلك من إدانة أخلاقية لمهنة أصبح هدفها الربح لا تحقيق العدالة، سدنة مهنة العدالة لا يكتفون بإخراجه من مجتمع المحامين، بل يلقون به خارج أسوار الدنيا، فلا مكان لمثله طالما استمر يصارع الفساد ولو من على كرسي مقهى بين السريات.

إذن ففخر الدين هو المصري المثالي الحالم بالحياة المثالية، الذي وهب نفسه لفضح الفساد وإخراجه من حياة الناس، فخر الدين لا يجب أن يعيش، وكل فخر الدين يجب أن ينتهي حتى يبقى لنا الفساد الذي أصبح جزءاً من حياتنا لم نعتَد الحياة بدونه، فلنترك فخر الدين ومن صاحبه يواجهون أقدارهم وحدهم، ولتبق لنا حياتنا بفسادها، بفضائحها، بظلماتها.

مقتل فخر الدين الرواية الأولى للكاتب عز الدين شكري ورغم أنها صدرت قبل باقي رواياته بما يزيد على عقد من الزمان (1995) فإنها يمكن أن تكون جزءاً أول من ثلاثية جزآها الآخران روايتاه، أبو عمر المصري، وغرفة العناية المركزة.

فأبو عمر المصري يبدأ رحلته منذ اللحظة التي قُتل فيها فخر الدين زميله المحامي معه عن قضايا المضطهدين، وإذ بدأت نفس القوى القاتلة في تتبع أبي عمر، فإنه يرتد عليهم بالثأر، أما في غرفة العناية فنلتقي مع نجوم المجتمع الآخرين، فنري أن كلا منهم كان ضحية للقوى المفسدة التي جيرتهم ومجتمعهم لها، فهذا رجل الأمن الذي يشعر بخيبة أمل منذ عودته من حرب حُرم الشعب فيها من أن يجني منها حقه الذي اكتسبه بدماء أبنائه، وذاك هو الصحفي الذي تحول إلى الانتهازية مع الزمن، وتلك هي محامية الجماعات الإسلامية التي تتلقى تهديدات رجل الأمن ويتم ابتزازها بأحداث الماضي… إلخ.

تشكل هذه السلسلة مجموعة من وثائق الإدانة لمجتمع أصبح عصيّاً على الصلاح، أما فنياً فإن الفترة الزمنية الطويلة نسبياً بين أولها وما بعدها قد انعكست على أسلوب الروائي الذي أصبح أكثر سلاسةً وقدرةً على إيصال الأفكار دونما إثقال على متعة السرد.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد