تتسع رقعة انتشار المسلمين في الدول غير المسلمة (الأقليات المسلمة) بنسب كبيرة تمتد بامتداد الخريطة الجغرافية للعالم، ما يُكسب هذا الوجود الإسلامي تنوعاً وثراء، وتبايناً أيضاً باختلاف المجتمعات التي يعيش فيها المسلمون هؤلاء، والتحديات التي تتفاوت من مجتمع لآخر.
فالمسلمون في أميركا الشمالية، وبرغم أنهم من أعلى المكونات الشعبية تعليماً خاصة في الولايات المتحدة، لكن واقعهم لا يخلو من الاعتداءات من حين لآخر، لا سيما مع اتساع رقعة الإسلاموفوبيا ووصمهم بالإرهاب أحياناً، ولعل هذا الواقع لمسلمي الولايات المتحدة يتسق مع حالة الاستدعاء من فترة لأخرى لمشاعر العنصرية المتراكمة، لا سيما منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، وتأجيج مشاعر الكراهية ضد المسلمين، وهي حالة لعب على وترها الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" أثناء حملته الانتخابية، ما صاعد من ظاهرة الإسلاموفوبيا، تأجيجاً لمشاعر الكراهية واستغلالاً لحالة الجهل بحقيقة الإسلام.
هذا الواقع بلا شك أثقل كاهل المسلمين بعبء كبير؛ كي يحسنوا استثمار طاقاتهم المعطلة وتنوع وثراء وجودهم، وأنه قد آن الأوان لتبني مشروع واضح قابل للتطبيق في مقابل الدعاية المضادة لهم، وهم مجتمع غني بالطاقات والقدرات، لكنها لا تزال مبعثرة.
في أوروبا لا يختلف الوضع كثيراً عما هو عليه في الولايات المتحدة، فهي مجتمعات يتمتع فيها المسلمون بقدر كبير من الحرية والتعايش المشترك، حتى بات المسلمون مكوناً أساسياً من المجتمعات الأوروبية، وإن كان لا يخلو من بعض الممارسات العنصرية أو عدم اعتراف بعض الولايات بالإسلام، لكن في حقيقة الأمر وإن كان الاعتراف الرسمي بالإسلام مهماً، ويستحق العمل من أجله، لكن أليس القبول الشعبي بالإسلام وبحقوق المسلم كمواطن وحقه في الاحتفاظ بهويته هو الأكثر إلحاحاً؟ لا سيما أنه منذ أحداث (11 سبتمبر) أصبح المسلمون عند كل حادث إرهابي هم المتهم الأول، وهو ما ينعكس بالسلب على حياتهم أو يزيد من عزلتهم.
أما أميركا الجنوبية فهي بيئة أكثر تسامحاً بشكل ملحوظ، ففيها يعيش الجميع جنباً إلى جنب في سلام، كما هو الحال في فنزويلا، أو البرازيل أكبر دول القارة التي تعد الجالية المسلمة فيها الأكبر في أميركا الجنوبية، إذ تزيد على مليون ونصف المليون يتمتعون بكافة الحقوق مثلهم مثل بقية أبناء المجتمع، حتى إن برلمان ولاية ساو باولو أصدر قراراً باعتبار يوم 12 مايو/أيار من كل عام هو يوم سنوي لتكريم الإسلام في البرازيل.
بينما تعد إفريقيا هي قارة الإسلام الأولى فهي أول مكان وصله الإسلام بعد مكة بفضل هجرة الحبشة، ويمتد فيها الإسلام امتداداً واسعاً؛ إذ يعتنقه حوالي 60% من أبناء القارة البالغ عددهم حوالي 1.2 مليار نسمة، موزعون على 54 دولة، منها 26 دولة ذات أغلبية مسلمة، و28 دولة المسلمون فيها أقلية، والمسلمون في إفريقيا أو آسيا أو روسيا هم مسلمون أصليون من عرقيات وأبناء هذه الدول نفسها على عكس الغرب فأغلب المسلمين مهاجرون.
كما تعد آسيا مكوناً مهماً من المكونات الإسلامية، فبجانب الدول المسلمة في آسيا، يمثل المسلمون نسباً لا بأس بها في دول أخرى في القارة ذاتها منها ما يعيش وضعاً جيداً مثل مسلمي تايلاند وكمبوديا وسريلانكا أو اليابان أو الصين، أو آخرون يبحثون عن فرص الحكم الذاتي واسترداد هويتهم كمسلمي الفلبين بعد سنوات من الصراع، إلى جانب مسلمي الروهينغا الذين يتعرضون للقتل والتهجير القسري منذ العام 1942، أو مسلمي تركستان الشرقية الذين تحتل الصين أرضهم وتسميها بـ"شينجيانج" محرومون فيها من هويتهم الإسلامية أو حتى الجهر بصيام رمضان.
في روسيا يمتد انتشار الإسلام في جمهوريات كاملة تتمتع بالحكم الذاتي داخل الفيدرالية الروسية، ويتجاوز عدد المسلمين 20 مليون مسلم يتمتعون بأجواء الحرية وممارسة الشعائر والانطلاق نحو البناء بعد الاضطهاد المرير وقت الاتحاد السوفييتي.
مع استعراضنا السريع هذا لواقع الأقليات المسلمة حول العالم، هناك مجموعة من الأسئلة الملحّة، أولها ما يتعلق بالتناول الإعلامي العربي لأحوال الأقليات المسلمة تناولاً مناسباتياً أو انتقائياً فغالباً ما تجد تركيزاً على أقلية مضطهدة لفترة وجيزة وسرعان ما يتبدد هذا الزخم الإعلامي فجأة حتى دون تضميد جراح هؤلاء المضطهدين كما هو واقع التعامل مع قضية مسلمي الروهينغا أو تركستان الشرقية أو إفريقيا الوسطى، هل ثمة تقصير؟ أم أن إعلامنا العربي ليس بمقدوره تبنّي قضية حتى نهايتها؟ أم أن هناك قضايا استجدت أشد أهمية وأكثر إلحاحاً؟
في حقيقة الأمر هذا اهتمام مبتور يعرض فقط جزءاً من الصورة ويتجاهل أجزاء كثيرة، فالتركيز المرهون فقط بالبكائية والمرتبط باضطهاد المسلمين هؤلاء، ينقل إليك الصورة ناقصة، أغفلت قصصاً كثيرة من النجاحات لمسلمين في مجتمعات أخرى وكيف أسهموا في نهضتها ويغيب معها السؤال الأهم ألا وهو: ما هو دور المسلمين أنفسهم تجاه مجتمعاتهم غير المسلمة التي تفتح لهم الباب وتمنحهم حقوق المواطنة والتعايش؟ ولماذا نتقن فقط الحديث عن حقوقهم فماذا عن الواجبات؟
فالمعالجة الإعلامية المنقوصة لقضايا الأقليات المسلمة رسّخت صورة ذهنية مغلوطة بشكل غير مباشر لدى المشاهد أو القارئ قد يستشعر معها أن المشكلة في الإسلام والمسلمين أينما حلّوا، وليست في غياب البيئة المناسبة للتعايش المشترك.
السؤال الآخر يتعلق بمدى إدراك الحكومات العربية والإسلامية وكذلك المنظمات بأهمية الوجود الشعبي للمسلمين في الدول غير المسلمة، وكيف يمكن لهؤلاء في حال قيام الأمة المسلمة بواجبها تجاههم وهم جزء منها بلا شك، أن يكونوا بمثابة سفراء ما بين الأمة والإسلام وبين الدول التي يعيشون فيها؟ وكيف سينعكس ذلك على ميادين السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية؟
سؤال إضافي حول دور الجامعات ومراكز الأبحاث في الدول العربية والإسلامية والتي لم تتناول بالبحث والدراسة المستفيضة أحوال الأقليات المسلمة أو فتح أقسام للدراسات المتعلقة بالمسلمين في الدول غير المسلمة على أهميته، ففي عدد من الجامعات الأوروبية حالياً هناك أقسام لدراسة الوجود الإسلامي في الغرب، وللمفارقة التي تستدعي السؤال أيضاً، فإن المراجع العربية والإسلامية حول واقع الأقليات المسلمة نادرة وسطحية، في حين أن المراجع الغربية كثيرة جداً، لكنها على كثرتها قد تكون منحازة أو تتبنى وجهة نظر واحدة في أغلبها.
السؤال أيضاً الذي لا يقل أهمية هو أين هو التعاون والتواصل ما بين أبناء الأقليات المسلمة وبعضهم البعض في الدول المختلفة وما سينتج عن ذلك في الاستفادة من تجارب الآخرين وتطوير الوجود ونقل النجاحات وإرساء مبادئ التعايش مع مراعاة فروق المجتمعات، وما في ذلك من تطبيق روح الأخوة الإسلامية؟ أليس من واجبات المسلم في أوروبا أن يستشعر هموم أخيه في إفريقيا وآسيا وغيرها؟ وما لذلك من ترسيخ شعور الانتماء إلى أمة واحدة؟
السؤال الأخير يتعلق بمدى الترابط الروحي ما بين المسلمين عامة، فالانتقائية الإعلامية عربياً وإسلامياً صنعت بشكل غير مباشر جداراً عازلاً إلى حد بعيد ما بين المسلمين في البلدان العربية والإسلامية، والمسلمين في الدول غير المسلمة، الغائبين عن الصورة إلا قليلاً، وجعل ذلك أجيالاً كاملة من أبنائهم يفتقدون الشعور بالانتماء إلى أمة واحدة، فهم جزء كبير غائب عن الصورة، وبالتالي فالصورة لا تزال ناقصة والأسئلة لا تزال تبحث عن إجابة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.