الحياةُ طيفٌ يتمرسُ وراء التمنِّي، فالتمني يكون دائماً في ارتباط بالمستقبل، الأماني هي التي تمنحنا جرعة كبير للمُضي قدُماً في الحياة مهما كلَّفنا الثمن.
في مكانٍ من هذا العالم، كانت هناك فتاة وشاب في مُقتبلِ العمر، عاشا قِصةَ حبٍّ جميلة لمدة سبعِ سنوات، كل يوم يصبحُ حبلُ الحبِّ أكثر ارتباطاً يوماً بعد يوم.
كُتِبَ لهما تاريخٌ جميل، فكان ختامهُ مِسكاً لذلك الحب العذري، تزوجا ليعيشا تحت سقفٍ واحد، تحت سقفِ الحب.
عاشا حياةً هنيئة تتخلَّلها مودةٌ وعطفٌ رهيب، كانت قصة حبٍّ أسطورية، بدأت في دهاليز الثانوية، ثم الجامعة، إلى أن اختتمت في بيتٍ واحد. ليست قصةً من تلك القصص الأسطورية التي تُحكى بل هي قصة حقيقية بكلِّ التفاصيل.
عقدٌ من الزمن ونَيِّف ولم يرزقا بأولاد يضفون على المنزل طابع المرح والدعابة، رغم أنهما كانا يعيشان حياة الرفاهية، ربَّما كان قدرهما الواحد والأوحد هو أن يعيشا بدون أولاد. زوجتهُ كان حلم الأولاد يُراودها من حينٍ لآخر، لم يتركا أي مستشفى لم يذهبا له من أجل إيجاد حلول ناجعة ليُرزقا بطفلٍ أو طفلة تأتي بنورها، تولد تحت وطأةِ الحب والمودَّة.
ذلك الهاجس كان متواجداً في ذهن كلٍّ منهما، ولكن لا جديد يُذكر ولا قديمَ يعاد. هكذا اقتضت الضرورة، ربما القدر أبى أن يعيشا دون أولاد، ولكنهما كانوا راضيَين بقدرهما، والتمني ينتابهما بين الفينةِ والأخرى.
مرَّتِ السنوات في لمحِ البصر، وكأن العمر يمرُّ بسرعةِ الضوء، ربَّما لأننا في عصر التقنية والانفجار الإعلامي أصبح الوقت يمرُّ بسرعةٍ كبيرة. حلَّ صباحٌ جميل معفَّرٌ بحبَّاتِ المطر الشحيح، والغيوم تكسو السماء، وأصابها مرضٌ مزمن، نُقِلَت على أثرهِ إلى المستشفى، أدخلوها بسرعة كبيرة إلى غرفةِ العمليات، وهو واقفٌ في ممراتِ المستشفى ينتظرُ على أحرّ من الجمر خبراً يخرجهُ من قوقعةِ الخوف، أعادتهُ الذكريات إلى عبق التاريخ؛ حيث تذكَّر أول مرة التقا فيها، وليلة زفافهما، وأحلامهما التائهة، وها هي الآن بين الحياةِ والموت. انتهى الطبيب من العملية، أخبرهُ أنها في صحةٍ جيدة، تنفس الصعداء، أحسَّ أنه ولد مرةً أخرى. كان يزورها في المستشفى صباحَ مساء، واشتاق لعودتها إلى المنزل؛ لأن المنزل أضحى فارغاً كفراغِ صحراءٍ قاحلة. أصبحت في صحةٍ جيدة، أخبرهُ الطبيب بيوم خروجها.
يومٌ قبل خروجها، جاءَ عندها في الصباح ورآها وكأنَّها وردةٌ بدأت تذبلُ شيئاً فشيئاً، وابتسامةُ وداعٍ تعلو محياها، جلس بجانبها وهي تداعب لحيتهُ الكثيفة، ودَّعها بقبلةٍ على جبينها وكأنَّه ودَّعها وداعاً أبدياً. ذهب إلى عمله كالمعتاد، جاءهُ اتصال مفاجئ، اتصالٌ زعزع وخلخلَ مشاعره، إنَّه نبأ الموت، ماتت تلك الوردة النَّاعمة، وردةٌ تفتحت وكانت تؤمنُ بأحلام لم تتحقق، ماتت وتركت صورة خالدة في الأذهان، تلك الزوجة الطيبة التي لم يدخل معها لا في نقاشٍ ولا شجار، كانت طيبة بأخلاقها والكلُّ يشهدُ لها بذلك، ها هي قد رحلت إلى دار البقاء لتترك خلفها إرثاً لا يُضاهى ولا يداس من المشاعر الرائعة التي ستبقى إلى الأبد.
نزلت الدموع فتذوق ملوحتها وكأنه جالسٌ على شفير البحر، ارتعش، تذكر موتها، فمات شيءٌ بداخله، ربما قلبه.
شاءتِ الأقدار أن يعيشا حياة جميلة دون أولاد، هذا لطفٌ من الخالق. هكذا هي الحياةُ دائماً، الأسفُ على الماضي، الفرحُ بالحاضر، والتمنِّي في المُستقبل.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.