الانتباه.. “هبة” الجمهور لوسائل الإعلام

تعتمد بعض وسائل الإعلام قوالب جاهزة ووعياً معلباً وتوهم المتلقي بتقديم رسالة توعوية سامية.

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/16 الساعة 03:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/16 الساعة 03:40 بتوقيت غرينتش

"عملي هو استغلال تلك الهبة القيمة التي أعطيتني إياها وأستخدمها ضدك وهي انتباهك"، جملة وردت في فيلم Now You See Me /2013، الذي يدور حول نخبة من عملاء وكالة الاستخبارات الأميركية FBI تقوم بالتحري ومطاردة فريق الفرسان الأربعة، الذي يقوم بسلسلة عمليات سطو تستهدف رجال أعمال فاسدين، عبر تنظيم عروض سحرية يقومون خلالها بخُدع للاستيلاء على أموال هؤلاء الفاسدين في البنوك وتوزيعها على الجمهور.

الانتباه.. خدع.. الجمهور، عناصر تشترك فيها وسائل الإعلام مع هذا النوع من العروض، فالرسالة التي يتم توجيهها إلى المتلقي عبر أي منصة إعلامية يجب أن تحتوي على عنصر جذب الانتباه، وبعض الوسائل الإعلامية تعتمد على الخدع لتحقيق هذا العنصر.

واليوم أصبح الانتباه بالفعل "هبة قيمة" من الجمهور لأي وسيلة إعلامية في ظل زخم المعلومات والوتيرة المتسارعة لتطور الأحداث والوقائع من جهة، والتقدم التقني وتطور شبكات الاتصال ومنصات التواصل الاجتماعي من جهة أخرى، فبفضل هذه العوامل بات المحتوى الإعلامي سيفاً ذا حدين، إذ يمكن توظيف التكنولوجيا كأداة لتزوير الحقائق ووسيلة لتضليل الجمهور وحَرفه عن المسار الحقيقي للأحداث بهدف تحقيق مصالح سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو دينية، أو توظيفها لنقل الوقائع كما هي وبشكل أسرع، وبالتالي أصبح من الممكن أن يلعب المواطن العادي دوراً مهماً في نشر القصة الخبرية على مدونته الإلكترونية أو مواقع التواصل الاجتماعي، أو عبر وسائل الإعلام.

والتحدي الذي يواجه وسائل الإعلام ذات المصداقية العالية في الحفاظ على انتباه الجمهور، هو التركيبة الفطرية التي تفرض على الفرد تأثره بمحيطه، لدرجة يفقد معها القدرة على موازنه الأمور، خصوصاً في ظل الصراعات والحروب، فتصبح معتقداته وأفكاره معرَّضة للاختراق بسهولة، وهنا تستغل بعض وسائل الإعلام هذه الحالة، وتبدأ ببث معلومات وتوجيه رسائل محددة تصب في مصالحها، وبالتالي تشتت انتباهه عن المضمون الحقيقي.

وفي صيغة أخرى، يكون الاضطراب النفسي أداة بيد أي جهة تريد إيصال رسالة محددة لتسيطر بشكل سلبي على المتلقي، بدءاً من رجل الشارع العادي، وصولاً إلى الجنود على خطوط المواجهة، وهنا أستشهد بمقولة أحد القادة الألمان في الحرب العالمية الثانية: "إننا نستهلك الكثير من القنابل؛ لندمر بها مدفعاً واحداً في يد جندي، أليس الأرخص من ذلك أن توجد وسيلة تسبب اضطراب الأصابع التي تضغط على زناد ذلك المدفع في يدي الجندي؟".

وإجمالاً.. تعتمد بعض وسائل الإعلام قوالب جاهزة ووعياً معلباً وتوهم المتلقي بتقديم رسالة توعوية سامية، كما تقوم بتوظيف نمط الترفيه والتسلية لتحقيق غاياتها، فمن خلاله يمكن تمرير رسائل مبطّنة تؤثر على الجمهور بشكل غير مباشر.

وعند الحديث عن جذب الانتباه، يجب أن أتطرق إلى سرد القصص، الذي يعد الوسيلة الأمثل للاقتراب أكثر من الجمهور، وعن ذلك أروي قصة عن خطيب كان يسير في أثينا ووجدها مليئة بالأوثان، فتوجه إلى مجلس الفلاسفة، وقال: "يا أهل أثينا، أرى أنكم جميعاً متدينون، حتى إنني بينما كنت أتجول في المدينة وأتفحص ما تعبدون، وجدت محراباً كتب عليه (لأجل الرب الذي لا أعرفه)، وأنا الآن سأعرفكم على الرب الذي تريدون معرفته".

وبدأ يخبر فلاسفة أثينا عن ربه وعقيدته، ورغم سخرية بعض الوثنيين من رسالته فإنه استطاع إقناع كثيرين بوجهة نظره، ورغم صعوبة الوصول للجمهور المستهدف، فإنه استطاع إقناع الغالبية عبر سرد قصة مستوحاة من واقعهم.

إذاً.. أمام هذه الحرب بين الحقيقة والتلاعب بالوقائع، نريد التركيز أكثر على المواضيع التي تهم الناس بالفعل، وجذب انتباه الجمهور بشكل فعال وحقيقي، عبر تكثيف المعلومات وعرضها وفي إطار مرئي مشوق، فضلاً عن جعله عنصراً أساسياً وجزءاً من القصة الخبرية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد