في هذه التدوينة سأحاول الابتعاد عن السياسة رغم أن الأحداث السياسية لا تبتعد عنا ولن تبتعد. سأحدثكم عن ظاهرة موجودة أو مرض نُصاب به، ككُتاب، في بداية مشوارنا وكإعلاميين، ونحن نخطو الخطوة الأولى في مسيرتنا ما بعد التخرج.
علينا أن نعترف بأننا مصابون بعظمة حب النجومية وجنون الشهرة وفوبيا الجمهور، وما تفعله بنا اللايكات رغم أنه ليس من المعيب البحث عن الشهرة والنجومية والصدارة والطموح ووضع خطة وأهداف.
المعيب هو الإفراط في الزهو والإعجاب بالنفس حتى يخيَّل إلينا، من سِحر نسبة التفاعل مع المقال أو التقرير أو البرنامج، أننا أفضل مَن مَرَّ بذلك المجال وأعظم من خطَّ حرفاً أو قدَّم عنواناً أو ألف كتابة.
في تك اللحظة، يهيَّأ لنا من نشوة التفاعل معنا، أننا علماء في كل مجال وفقهاء كل فن وفلاسفة العصر.. أشد جاذبية من نيوتن، وأفقه من ابن تيمية، وأعلم بعلوم النحو من سيبويه، وأحسن خطاً من طه حسين، وأشد فراسة من أبي فراس الحمداني.
الجمهور لا يمكنه التخلي عنك أيها النجم الملهَم، سيلجأ إليك في كل وقت، ويستشيرك في أي مسألة، ولن يبالي بترفُّعك عليه وعدم التفاتك إليه ونظرتك السطحية.. إنه جمهور غوغائي يقدس النجوم.
نحن ككُتاب مصابون بالإفراط في تعظيم أنفسنا وإعطائها أكبر من قدرها، وإحساسنا بأننا أوتينا العلم المطلق والحكمة والرأي السديد والنباهة والثقافة وفصل الخطاب، رغم أننا لو جلسنا مع أنفسنا وقيَّمنا ما نمتلك لوجدنا أن الواحد منا لا يمتلك نسبة واحد في المائة من كل العلوم ويسمي نفسه مثقفاً!.. أليست ثقافة هي أن تتعلم كل الفنون وتحترم كل العقول ثم تترقي بنفسك لتصدِّر فكرة للآخرين؟
لماذا نعطي البعض أكثر من حجمه ثم نسمح له بالتعالي والغرور وجني الأرباح المادية والمعنوية على حساب الثقافة والفكر والإبداع؟
أيها الكُتاب، اسمعوا وعوا، إنكم أصحاب رسالة قبل أن تصبحوا أصحاب أقلام، وأصحاب فكر وثقافة قبل أن تصبحوا أصحاب نجومية وشهرة، ويجب أن تتعلموا لتعملوا، وأن تتواضعوا لترتفعوا وترفعوا، وألا تخدعكم الأوهام واللايكات؛ بل اسعوا دائماً لتزيدوا من مخزونكم الثقافي والعلمي والفكري؛ فهو رصيدكم.
لقد أُصبنا في ثقافتنا ومثقفينا، حتى أصبح كل من يكتب تدوينة بألف لايك نجماً! وصدّرنا نماذج من النخبة فاسدة فأفسدت كل شيء، واللوم علينا قبل أن يكون على مواقع التواصل الاجتماعي أو دُور الفكر والنشر.
لقد أصبحت النجومية اليوم أسهل من نوبل والأوسكار وكل الأرقام القياسية.. أنشئ صفحة شخصية ثم روِّج لها، أو طبِّل، أو اشتم، أو استخدِم عنواناً جذاباً ومثيراً أو فيديو إباحياً، ولو وصلت لألف مشاهدة فاكتب "إعلامي ونجم شهير ومدون أشهر"؛
فأنت أعظم من الألقاب نفسها.
لست أُبخس، فهناك أناس يستحقون الثناء والتمجيد، ولا أعمم فهناك نجوم يستحقون أن يُحتذى بهم.. أنا فقط أنصح وأشخِّص حالة موجودة، وأنا أدناهم ولست أعلاهم، وقد أكون مصاباً بتلك الحالة.
من السهل أن تكون نجماً، لكن من الصعب أن تكون مثقفاً بكل ما تحمله كلمة الثقافة من معنى، ومن الصعب أن تكون مثقفاً ما لم تقرأ وتتعلم وتجرِّب وتحرِّض نفسك على القراءة وتتواضع.
فيا أيها النجوم المكثِرون من الضجيج والفارغون ثقافياً، المزعجون بتعاليهم وغرورهم وحبهم لما يقدمون وإعجابهم بأنفسهم، قفوا مع أنفسكم قليلاً وانظروا إلى المرآة قليلاً، ستجدون أنكم ما أوتيتم من العلم إلا قليلاً، وأنكم صغيرون جداً، وعليكم مراجعة أنفسكم قبل أن يكتشف عوام الناس الحقيقة.
فحاوِلوا أن تزيدوا من مخزونكم الأخلاقي والثقافي، أو اعرضوا أنفسكم على أطباء علَّهم يجدون لكم حلاً. وأما عن النجومية الحقيقية، فتحتاج إلى الكثير من العلم والمزيد من الوقت، وربما المزيد جداً من الزاد الفكري والثقافي، أكثر بكثير من لايكات الفيسبوك وإعادة التغريدات عبر تويتر.
فأفيقوا قليلاً من وهْم النجومية المزيَّفة، ولتبحثوا عن نجومية حقيقة؛ فالطريق أمامكم ليس سهلاً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.