لعل التربية باعتبارها عملية إنسانية تكاملية، هي الأساس الذي يعكس طبيعة المجتمع وآماله وطموحاته، وهي جزء من نظام اجتماعي أكبر تحركه من خلال العلاقة التفاعلية ـ تأثير وتأثرـ حفاظاً على كيانه واستمراره؛ لهذا فإن أهمية التربية تتمثل في كونها مرآة المجتمعات وعاكسة لتميزها، وهي القيمة المضافة التي يراهن بها كل مجتمع على الاستمرارية والتقدم، وتمثل السيرورة التربوية الإطار النظري والفكري لما يحتاجه المجتمع في بناء أنظمته وأبجدياته العلمية والعملية، وكذا بحث طبيعة العلاقة بين ما غفلت عنه وما تود الوصول إليه من ميادين علمية وتربوية، والمستوى الحضاري الراقي وتحقيق تاريخ علمي مزدهر، خاصة في ظل التراكم المعرفي الهائل لمجتمعات تجاوزت عقبات كثيرة في زمن قياسي، وذلك بتشخيص الداء.
ولكن العالم العربي ما زال يعاني من هذه العقبات والأكثر من ذلك يتجاهلها بحجج واهية تصبغ بصبغات متعددة القول بالمؤامرات الخارجية والطمع في ثروات هذا العالم العربي!
فما الهدف من التآمر على مجتمعات أقل ما يقال عن حظها من براءات الاختراع إنه هزيل؟ وكما ذكر في مقال أصدره الموقع الرسمي للجزيرة أنه لو أن كل مليون من سكان العالم حصل على حصة متساوية من مختلف أنواع براءات الاختراع التي أصدرها مكتب براءات الاختراع والعلامات التجارية الأميركي (USPTO) حتى نهاية عام 2015، لبلغت حصة العالم العربي -وفق ذلك الافتراض- نحو ثلاثمائة ألف براءة اختراع، بدلاً من العدد الفعلي الذي حصل عليه ولم يتجاوز 2900 براءة، في مقابل ذلك فعدد براءات الاختراع المقدمة لمختلف دول العالم تقدر بالملايين.
لم يكن احتلال دول العالم الأخرى هذه المراتب، وتوفرها على هذا العدد الهائل من البراءات محض الصدفة، بل هو نتاج لنهج مختلف وخطوات مدروسة تستهدف بذور المجتمع قبل كل شيء، وإن مجرد الاطلاع على سياسات المنظومة التربوية في هذه الدول يخبرك أن تقدم الأمة حضارياً، وفكرياً وسياسياً واجتماعياً، رهين بمدى الاهتمام بالمجال التربوي، سواء من ناحية التربية داخل الأسرة أو الدور الذي يقوم به المدرسون تحت خانة السياسة التربوية للبلد.
إن التربية ليست إلا بداية لرسم دقيق لمستقبل واعد تختلف درجات تحققه باختلاف طريقة العمل ووتيرته، والتربية مثلها في هذا الرسم كمثل القلم الذي به يخط السبيل للنجاح والتطور، وهي عملية دقيقة ومجهود ونشاط يؤثر في قوى الطفل وتكوينه بالزيادة أو النقصان أو الترقية، وقد أخذت التربية صوراً مختلفة منذ ظهر الإنسان على وجه الأرض، ظهرت من خلالها الفوارق بين المجتمعات، فبعضها اهتم بجوانب مختلفة؛ فكرية، وعاطفية، وجسدية، واجتماعية… والبعض الآخر اقتصر على أحد الجوانب فقط، وهنا يكمن خلل؛ لأن نهوض أي مجتمع معقود بصحة التعليم وجودة التربية، وتطوير المناهج العملية والطرائق من خلال خبرات متنوعة؛ إذا غاب عنصر من هذه العناصر قد يقف المجتمع عاجزاً عن تحقيق كمالات التربية وتجاوز العقبات، فالمطلوب هنا هو تحقيق دمج بينها وبين طبيعة المجتمع.
وختاماً أريد أن أشير إلى مسائل مهمة ألا وهي استثمار الوقت والمجهود في التربية؛ فالتميز لا يكون إلا بالجمع بينهما.. ومن المهم أيضاً أن تعلموا أولادكم الاختيار فلا ضرر في ذلك، ما دام مقروناً بحوار يدافعون فيه عن وجهات نظرهم، لا تفكروا عنهم فقد خلقت لهم أدمغة أيضاً، اكتفينا من النسخ فلا تُلغوا تفكيرهم وتجعلوا منهم شخصيات اتكالية.
علموهم أن يواجهوا مخاوفهم، وأن التميز ليس حكراً على أحد وأنهم أقوى مما يظنون، امتصوا غضبهم فهم أيضاً يغضبون، علّموهم أن المشاكل تحل أسرع مع هدوء.
اسألوهم عن أهدافهم ومواهبهم وإبداعاتهم، حتى إن كانوا قد غفلوا عنها تذكروها، كذلك سأفعل أنا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.