في أغلب الحوارات حول الدين أياً كان هذا الدين ستجد كثيراً من المدافعين المتعصبين لآرائهم ينطلقون تلقائياً في الدفاع والتبرير انطلاقاً من القناعات التي رضعوها صغاراً في المنزل. يوجد تبرير لكل شيء، وليس بالضرورة أن يكون مقنعاً بالطبع.
دين أغلب البشر هو (دين المنزل) الذي نشأوا فيه، هذا الدين مُتغير ومتنوع حسب المكان والزمان، هو دين أسرة كل مسلم وكل يهودي وكل مسيحي وغيرهم.
دين المنزل هو دين داخل الدين ومذهب داخل المذهب، هو المساحة التي يتم توليف النكهة الخاصة بكل عائلة أو مجتمع صغير وتوريثها لمن بعدهم؛ ليتم توليف الوصفة مجدداً وتعديلها ولو بشكل خفيف على مدى السنوات؛ لتتكون توليفات جديدة وهكذا.
في هذا الدين يوجد تصور لكل شيء خارج المنزل، كل الأفكار والقناعات المتعلقة بالحياة والإله والتعاملات. يوجد الكثير من المبادئ أيضاً، كل التعاريف المتعلقة بالصح والخطأ. يوجد أيضاً توصيف (للآخرين) المخالفين مع الكثير من التفاصيل عن حياتهم بشكل أقرب إلى اليقين.
هو شيء أقرب للنظام الافتراضي (أو ضبط المصنع) الذي تحصل عليه عند الحصول على أي جهاز جديد.
دين المنزل يشكل حياة المرء دون اختيار حقيقي لينطلق لاحقاً سنوات من عمره في الدفاع عنه والتبرير له وربما الدعوة إليه، كيف لا وهو الدين الصحيح؟
قبل أيام شهدت مصادفة حواراً (مكرراً) بين مراهقين حول الحضارة الغربية، قال أحدهم: "إن الحضارة الغربية مادية جوفاء"، وأضاف "أن هذه الحضارة المادية سلبت الإنسان الغربي كل القيم الروحانية والإنسانية وحولته لمجرة آله"، الطريف أن هذا الأخ وحتى ذلك اليوم لم يزُر أياً من دول الغرب ولم يشاهد عن قرب (المعاناة) التي يعانيها الإنسان في الغرب جراء الفراغ الروحي المفترض.
ما الذي يدفع مراهقاً للحديث بكل هذا اليقين عن شيء يجهل عنه الكثير؟
اللهم انصر الحق (حقنا)
في كل الحروب الأهلية نجد أن الغالبية العظمى من البشر والتي تستخدم وقوداً للحرب تأتي منطلقة من قناعاتها المسبقة، من دين المنزل الخاص بها.
دينها هو الدين الصحيح وهم على الحق، وأن الآخر بطبيعة الحال مجرد وغد شرير متآمر، يُظهر دائماً عكس ما يُخفي.
يدعو الجميع ربه (أو آلهته) أن ينصر الحق، ينتصر حق على آخر في العادة، لكن هذا لا يعني النهاية، ستجد أن في دين المنزل عادة ما يَنص أن هذا تمكين من الرب إن انتصرت وأنه ابتلاء مؤقت وسينتصر الحق ولو بعد حين في حال لم يكن النصر من نصيبك..
تُذكرنا أيضاً هذه الحروب والتي يدور جزء منها أمام أعيننا الآن أنه لا يوجد طرف تنقصه الشجاعة. من يذهب للقتال يمضي وقد وضع روحه بين يديه. لا أقول إن الكل محق ولا أدعي الوقوف على الحياد مما يحدث فهذا أمر آخر تماماً وإنما أود أن ألفت الانتباه إلى أن الجميع يحارب ويموت فداء لقناعاته المسبقة، تلك التي حُقنت في روحه منذ الصغر، أياً كانت هذه القناعات وأياً كانت البقعة الجغرافية التي أتى منها.
هل يتغير الناس حقاً؟
هناك موجة تبشيرية شائعة حالياً تقول إن الناس يظلون أسرى لقناعاتهم المسبقة، وإنه مهما حدث لا يتغيرون.
الحقيقة أنه يوجد مَن يتغيرون فعلاً، لكنهم ليسوا غالبية، عامة الجمهور يتبعون الصوت الأعلى، أو لنقُل الأقوى على مر التاريخ.
عندما تقرأ في كيفية انتشار الأديان والمذاهب في بداياتها تجدها قامت على فكرة تقبّل فئة من (الآخرين) لما هو جديد والإنصات للفكرة الجديدة.
ما يحدث لاحقاً أن تقوم هذه الأديان ببناء سور في كل مكان تصل إليه، سور يحمي المؤمنين من الشرور والمهلكات الجذابة، الخارج من هذا السور كافر، والداخل مؤمن.
إذا كان الناس يتغيرون فلمَ لا يتغيرون فعلاً؟ ولماذا لا يفكر المرء بسهولة خارج دين المنزل الخاص به؟ لماذا يُقاتل المرء ويَقتُل وقد يُقتَل في سبيل قناعة مسبقة قد تكون خاطئة؟ لماذا كل هذه الاستماتة في الدفاع عن أفكار قد لا تكون صحيحة؟ لماذا لا يُصغي الناس جيداً قبل الهجوم على المخالف؟ لماذا لا يُنصتون؟
سأختم بمقولة لعلي الوردي من كتابه وعاظ السلاطين، يُلخص ذات الفكرة: "إن الرأي الجديد هو في العادة رأي غريب لم تألفه النفوس بعد. وما دام هذا الرأي غير خاضع للقيم التقليدية السائدة في المجتمع، فهو كفر أو زندقة، وعندما يعتاد عليه الناس ويصبح مألوفاً وتقليداً يدخل في سجل الدين ويمسي المخالفون له زنادقة وكفاراً".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.