هذا المقال يخاطب كل من له موضع قدم بدول الخليج العربي عامة والمقيمين الأجانب خاصة، فلا شك في أن مقيمي دول مجلس التعاون الخليجي يعيشون فترة غير مستقرة؛ بل إن المواطن الخليجي نفسه يعاني القرارات الاقتصادية والسياسية الأخيرة التي تحمَّل أعباءها بشكل غير مسبوق.
وبعد الأحداث الأخيرة والخلاف القائم بين دول مجلس التعاون الخليجي، أصبح هناك مجموعة من الأسئلة المسيطرة على النقاشات اليومية ببيوت المقيمين، تتلخص في السؤال التالي: ما هي محطتنا القادمة؟
المحطة القادمة هي تركيا بالتأكيد، فلا خلاف على أن أغلب المقيمين لا يودُّون العودة إلى ديارهم والأسباب كثيرة، منها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والأمني؛ ومن ثم فالعودة للديار ليست من البدائل المطروحة الآن.
سهولة الحصول على إقامة سياحية، وحق الأولاد في الالتحاق بالتعليم، وانتشار المظاهر الإسلامية إلى حد كبير، وإمكانية تملُّك الأجانب العقارات بسهولة وسرعة، وانخفاض أسعار شراء أو إيجار العقارات مقارنةً ببعض الدول الخليجية.. إلخ، كل هذه العوامل وأخرى تجعل الإجابة هي تركيا.
كيف أحصل على إقامة بتركيا؟
صورة من جواز السفر، واسم الأم، هما كل المطلوب لحجز موعد للإقامة، ثم تستكمل الإجراءات الأخرى لاحقاً، مع العلم أن الذي يبحث عن موعد للإقامة الآن (يناير/كانون الثاني 2018) بمحافظة إسطنبول، يستطيع حجز أقرب موعد في شهر (مايو/أيار 2018)، أي إن هناك ضغطاً كبيراً وتوجهاً واضحاً لتركيا كبديل جديد، والتوجه ليس عربياً فقط، فالإيرانيون والروس والألمان والإنكليز أيضاً لهم حضور واضح بهذا الخصوص.
والآن، أصبح هناك كثير من الشركات العربية بإسطنبول تساعد على استخراج الإقامة وتسهّل تجهيز الأوراق والمستندات اللازمة لهذا الأمر.
مدارس الأولاد.. موضوع محير؟
المدارس التركية الحكومية بالمراحل الدراسية كافة متوافرة بكل مكان، وتنتشر أيضاً مدارس تركية خاصة، وكذلك مدارس خاصة بالجاليات الأجنبية، ومدارس إنترناشيونال في بعض المناطق.
بمجرد حصول الابن على إقامة، يحق له الالتحاق بالمدرسة الأقرب إلى سكنه طبقاً لعقد الإيجار أو سند الملكية (الطابو). ولأن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر، نجد بعد مرور عام أو أقل يُتقن الابن اللغة التركية -في حالة الالتحاق بالمدارس التركية- بل رأيت كثيراً من الأبناء يعملون مترجمين لآبائهم ويعتمد عليهم الآباء اعتماداً كلياً في أي معاملات رسمية حكومية أو غير حكومية.
تملُّك العقارات.. كيف؟ وما هي الأسعار؟
في هذا المجال، سأسرد بعض التفاصيل؛ حيث هذا هو مجال عملي، فأريد نقل خبراتي إليك؛ حتى تتوجه التوجه الصحيح. القانون التركي يسمح بتملُّك الأجانب للعقارات بسهولة ويُسْر، والحكومة التركية، متمثلة في إدارة الطابو (التسجيل العقاري) والبلديات المختلفة، لديها جميع المعلومات الخاصة بأي عقار واقع على أرض تركيا (أراضٍ سكنية- شقق- فلل- أراضٍ زراعية- مزارع.. إلخ)، فإذا أردت أن تسأل عن بيانات خاصة بأي عقار معروض عليك للشراء، فعليك التوجه إلى البلدية التابع لها العقار؛ لمعرفة مَن المالك، ومساحة العقار، والتصميم الهندسي المعتمد، والمديونيات البنكية، والرهونات العقارية، وحصة الشقة في الأرض.. وأخيراً وليس آخراً نوع التملُّك (حصة على المشاع- تملُّك حر مباشر- حق انتفاع… إلخ).
ومن المعلوم أن حكومات بعض الدول العربية تفقد سيطرتها على ضبط حقوق ملّاك العقارات لديها، حيث لا يلجأ المشترون إلى التسجيل الرسمي للعقارات، مما يجعل البيانات لدى الجهات الرسمية قديمة وغير محدثة أولاً بأول وتضيع معها الحقوق، ونجد البيع يتم عن طريق توكيلات عن توكيلات عن توكيلات، وحين يقرر أحد الملاك تسجيل العقار باسمه رسمياً يجد كثيراً من الأوراق مطلوبة وتكاليف كبيرة جداً، وقد يكون العقار يتعامل معه أكثر من جهة فتجد الجهات الحكومية تعمل كجزر منعزلة ولا يربطها نظام إلكتروني واحد وهكذا. فيتراجع هذا الشخص عن قراره ويبقى الوضع على خطورته الحالية من باب (أنا مش أحسن من غيري).
حتى تفهم .. إليك التالي:
بعد طفرة العقارات في تركيا، يبحث كثير من ملاك المشاريع العقارية عن شركات تسويق عقاري؛ لتساعدهم في تسويق عقاراتهم داخل تركيا للأتراك وشركات أخرى في دول الخليج للتسويق للمواطن الخليجي والمقيمين، وهذا بالطبع مقابل أتعاب تسويق (عمولة)، وبعيداً عن الاستثناءات تحصل شركات التسويق العقاري التركية على نسبة 3% (بحد أقصى)، وتحصل شركات التسويق العقاري الخليجية على 8% (بحد أدنى تصل إلى 15%).
هذه النسبة الأخيرة هي التي تهمنا في هذا المقال الذي يخاطب مقيمي دول الخليج، السؤال المهم هو: هل سيدفع المالك من جيبه الخاص هذه النسبة الكبيرة؟ الإجابة في الغالب هي أنه سيحمّلها مضافةً على سعر الشقة الذي سيدفعه المشتري، مما يجعل في كثير من الأحيان أن بعض المشترين من دول الخليج يجدون أنهم قد اشتروا أغلى من الجار التركي المجاور لهم.
طبعاً، لا أهاجم شركات التسويق العقاري الخليجية، فلديهم مصروفات ثابتة (مرتبات- إيجارات- دعاية وإعلان) لا تقارَن بمصروفات نظيراتها التركية، فمعلوم أن المصروفات الثابتة ببعض دول الخليج ضخمة جداً وتأكل الأخضر واليابس.
ولكن مقالي ونصائحي موجَّهة إلى المشتري الذي قد يرغب في بيع العقار لاحقاً، فأي استثمار عقاري مربح يبدأ بخطوة الشراء بالسعر المناسب.
خلاصة هذا الأمر أن هناك مسارين:
مسار البداية الخاطئة: وهُم العرب الذين يشترون العقارات بأسعار مرتفعة عن السعر السوقي (لعدم خبرتهم)، فهؤلاء حين يقررون بيع عقاراتهم لا يستطيعون إعادة بيعها إلا لعرب مثلهم لا يعرفون السوق العقارية بتركيا جيداً، وتستمر هذا السلسلة ولا تنتهي.
مسار البداية الصحيحة: وهُم العرب أو الأتراك المشترون بأسعار السوق المنطقية ويعيدون بيعها بسهولة (أو طبقاً لظروف السوق وقتها) لمنطقية سعر إعادة البيع.
وعلى الهامش، هناك شركات تسويق عقاري تتفق مع المالك على تسويق عقاره بعد إضافة مبالغ إضافية لهم وتزيد من سعر العقار (Over)، مثلاً: يريد المالك بيع عقاره بمبلغ 100 (نفترض أن هذا هو السعر السوقي للعقار حالياً)، يتفق المسوق مع البائع على أنه سيبيعه بـ140 ويحصل لنفسه على الفرق. (ابتعد عن هؤلاء رجاءً).
وأيضاً، لا تشترِ العقار بالدولار أو أي عملة غير الليرة التركية، اسأل دائماً عن السعر بالعملة المحلية؛ لأنها متغيرة أمام الدولار، وخاصةً أن تكلفة المقاول والمالك بالليرة وليس بالدولار. نعم، أتفهم جيداً أن هناك ملاكاً يجمعون استثمارات بالدولار ويريدون البيع بالدولار؛ حتى لا يخسر المستثمرون فروق العملة، ولكن أكرر أن نصائحي موجهة للمشتري وليس المالك.
معلومات على الهامش
يوجد بالطبع تفاصيل كثيرة لم أستطع ذكرها بالمقال؛ لضيق الوقت والمساحة، ولكن أحاول أن أسردها سريعاً:
– تسجيل العقار باسمك يتطلب يوماً واحداً فقط، إلا لو كنت أنت أول مشترٍ أجنبيٍّ بهذا المشروع، في هذه الحالة سيتطلب الأمر الانتظار من شهر إلى 3 أشهر للحصول على موافقة الجيش.
– السفر إلى تركيا يتطلب الحصول على تأشيرة، وهي مطلوبة لبعض الجنسيات العربية، وتُستخرج عن طريق السفارات التركية بدول الخليج أو مكاتب متعاقدة مع السفارات، ويمكنك استخراج التأشيرة إلكترونياً دون الذهاب إلى السفارة، أو تقديم أي أوراق إذا كانت سنّك أقل من 20 سنة أو أكبر من 45 سنة أو معك تأشيرة سارية لأي من أميركا أو بريطانيا أو شنغن بغض النظر عن سنّك، وتكلفة التأشيرة الإلكترونية 20 دولاراً أميركياً.
ينطبق ما سبق على مواطني بعض الدول العربية، والبعض الآخر يحصل على تأشيرة وصول بتركيا دون الحاجة لأي إجراءات مسبقة.
– الاستقرار بتركيا يتطلب تعلُّم اللغة التركية من أول يوم، وهي سهلة وقريبة في كثير من كلماتها للغة العربية، وتوجد مراكز تعليم اللغة التركية منتشرة في إسطنبول.
– الجامعات التركية كثيرة ومتعددة ومنتشرة، منها المعتمد باللغة التركية ومنها المعتمد باللغة الإنكليزية، وتوجد أيضاً مراكز خاصة متخصصة في مساعدة الطلبة لتقديم الالتحاق بالجامعات.
– تأسيس الشركات في تركيا سهل، ومسموح بتملُّك الأجانب 100% من رأس المال من دون شريك تركي. ويجب تعيين 5 أتراك مقابل كل أجنبي بالشركة.
– توجد أنواع أخرى للإقامات غير السياحية، مثل إقامة التملك العقاري وإقامة العمل.
– بعيداً عن الاستثناءات، يُمثل العائد من الإيجار من 4 إلى 7% من قيمة العقار سنوياً، أي إن العقار الذي قيمته 100.000 ليرة، يكون المحصل من الإيجار من 4000 إلى 7000 ليرة سنوياً. وهذا بالإضافة إلى الارتفاع الطبيعي في قيمة العقار.
أتمنى أن أكون قد ساعدت في إلقاء بعض الضوء على هذا الموضوع الهام، وأتمنى للجميع السلامة، وقد يُتبع هذا المقال بمقالات توضيحية أخرى.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.