كل ما بقي من معلقات ذاكرتي صور، وليس كلها التقطت بأحدث صيحات كاميرا الـ"Cannon" ووسائل الـ"Snap Chat" وتطبيق الـ"Candy" وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة، فمعظمها حُفرت بفضل كاميرا عيني الصغيرة، فمن وُلد في أواخر جيل التسعينات لا بد أنه عاش ولو جزءاً صغيراً من الوسائل التقليدية البسيطة التي كانت بالنسبة لمن يضاهونه سناً أحدث وسائل العصر الجديد.
ومن أهم الأمثلة على ذلك اندفاع الناس بشكلٍ غير متوقع إلى الاستوديوهات المنتشرة في الريف أو المدن من أجل التقاط الصور العائلية في الأعياد رغم سوء الأوضاع السياسية والاجتماعية آنذاك، وما إلى ذلك من انتفاضات يومية وشهاداتٍ خُتمت بدماء وأُعلن عنها بزغاريد الأمهات، فأتذكر صورتي مع أبي وهو يحتضني، وأنا أطبع على خديه قبلة بصغر حجم شفتيّ في ذلك الوقت، ولا أنسى صورتي "أنا وأختي" التي زينت بـ"بلوزتها الخضراء" وفستاني الأحمر، وطبعاً صورة عائلية عريقة بكاميرا أبي اشتراها من الأردن في عام 2003، والكثير الكثير من الصور من ألبومات صورنا، خاصةً بعدما خُطف العرش منّي بقدوم أختي الصغيرة.
ولا أنسى أهم هذه الصور، فقد كانت صورة بكاميرا فورية بجودة الأبيض والأسود من خلال أحد السياح القادمين إلى منطقة "ترسيلا"، والتي يقطن أسفل تلتها محطة محروقات تعود لعائلتنا، وفي ذلك النهار اصطحبنا أبي في جولة ترفيهية شملت جميع إخواني وأبناء عمومي وعماتي في سيارتنا المرسيدس الصفراء، وكنت في ذلك الوقت أصغرهم سناً، فاصطففنا جميعاً كل منا بجانب الآخر على حافة علوية لحديقة صغيرة وتحيط لوحتنا ورود الجوري بجميع الألوان، وقد انتصب طوال القامة منا بجانب أبي، وهكذا شهدت هذه الصورة على طفولتنا جميعاً.
ومن الصور التي سجلتها عيناي فقط، مشهد رحلتنا من ريفنا إلى جنين أو نابلس وما يرافق تلك الرحلة من منغصات "مخاصيم الاحتلال" باتت عادية جداً لنا، ولا بد أن يكون لذلك المشهد سبب في الخروج من المنزل، وكنت أنا كبش الفداء في كل مرة كوني الأصغر، فيتحججون في ألم وحرارة ووجع بطن لم أشعر به ولو مرة واحدة لنكون صادقين، وكم من طفل لعب هذه اللعبة بصغره مع ذلك الجندي الأقرع وسلكت عليه بقول كلمة السحر "سا" أي اعبر، وهكذا نصل لبيتنا الصغير سالمين غانمين أبطال قصصنا الطفولية.
واللعب الأنثوي بالعرائس والذكوري بالدراجات الهوائية والقدم والطائرة، وساحة أرضها كمن استوطن قطعة أرض تعود لمن تركوا أراضيهم واغتربوا راحلين، وسمرنا في الليل وصحونا المبكر مع طلوع الشمس؛ لنعيد مرح البارحة في يوم جديد، وغيرها من قصص أحتفظ بما تبقى فيها لمرات تالية ربما.
أردت أن أمنحك -سيدي القارئ- جولة مجانية في ذاكرة طفلة فلسطينية مهما كان ما عايشوه من ظروف سياسية ممقتة مملة بعض شيء، أرادت مع أقرانها الأطفال تلوينها ومنحها ألوان السماء السبعة.
ولا تنسَ تذكر صورك وصورتك الأولى أنت أيضاً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.