يُعتبر الفن السّينمائي وتوابعه من إخراج وتمثيل واحد من أكثر أنواع الفن شعبية. وتسميّه أغلب أقلام النّقاد بـ"الفن السّابع" مُشيرين بذلك لفن استخدام الصّوت والصّورة معاً من أجل إعادة بناء الأحداث على شريط خلوي.
إذ إننا نجد أفلام الحركة والدراما وغيرها من الأفلام التي تصوّر أحداثاً خيالية، أو تعيد أحداث حدث بالفعل في الماضي، تعيدها عن طريق التقليد بأشخاص مختلفين وظروف مصطنعة.
وهنالك الفن السينمائي الوثائقي الذي يحاول إيصال حقائق ووقائع تحدث بالفعل بشكل يهدف إلى جذب المشاهد أو إيصال فكرة أو معلومة بشكل واضح وسلس أو مثير للإعجاب.
من هنا نفهم أو بالأحرى نتطرق إلى نقطة معيّنة تجمع أنواع الفنون السينمائية في دائرة واحدة ألا وهي "صانعها".
كما أن السينما هي حركة شائعة جداً محبّبة وغير محبّبة للبعض، والسبب أن صانع الأفلام أو ما نستطيع تسميته بصانع الفن السّابع ومحرّك السينما هو مَن يسعى لإيصال فكرة ما إلى الجمهور، سواء الفكرة اجتماعية تنقد ظاهرة ما تفشّت في المجتمع ويسلّط عليها الضوء، أو فكرة سياسية يقوم الفيلم بنقدها؛ إما عن طريق المسرح أو عن طريق شريط سينمائي.
من خلال ذلك يساهم صانع الأفلام إما في طمس الحقائق وإخراجها على أساس عالم وردي، أو إظهارها وعدم حجبها، وهذا حسب الفكرة والواقع والرسالة التي يريد إيصالها.
كيف تُنمي السينما الوعي الثقافي لدى الجمهور المتفرج؟ هل تغيّر السينما الواقع أم الواقع يغيّر السينما؟ ما مدى مصداقية أن السينما لها دور كبير في كشف خبايا الواقع المعاش؟ هل يساهم صانع الأفلام في حجب الواقع؟ كيف يساهم صانع الأفلام في خلق ثورة فكرية لدى المتفرج؟ وهل يدفع صانع الأفلام ضريبة تعرية حقائق محجوبة؟ هل السينما لصيقة بكل ما هو سياسة؟ وهل نجحت السينما العربية في إيصال الفكرة بالأحرى الرسالة المطلوبة؟
لقد ازدهر الفن السّابع بعد الحرب العالمية الثانية وبرزت ثلة من صناع الأفلام لعلّ من أبرزهم المخرج روسيليني في فيلمه روما مدينة مفتوحة، والمخرج فيسكونتي في فيلم الأرض تهتز.
وقد قام بإرساء قواعد المدرسة الجديدة التي تعتمد على نقد الواقع، هذا وقد ازدهرت الأفلام الأميركية ازدهاراً كبيراً كما حقق لوراني أوليفيه بصمة مميزة للسينما الإنكليزية أيضاً.
فالسينما لعبت دوراً هاماً في إرساء الوعي الجمهوري، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية لنقل معاناة ما بعد الحرب وما حملته الأفلام في تلك الحقبة من فهم للواقع.
فكيف يمكن للسينما أن تقوم بهذا الدور المقصود دورها حصراً في إرساء الوعي لدى الجمهور؟
هناك تعريف للسينما في أوساط المثقفين يقالُ إن السينما هي إعادة ترتيب الوعي في عقول الجمهور بعد كل حقبة وهذه المقولة قابلة للنقاش لدى الأغلبية؛ إذ إن هناك وظائف كثيرة للسينما وما تحمله من فن.
نجد من يرى أن السينما لا يمكن أن تكون وظيفتها إلا من أجل التسلية، وهناك من يرى أنه لا بد أن تكون لها بُعد سياسي وتعليمي وغير ذلك.
وهناك وجهة نظر بين الاثنتين فالسينما يمكن أن تكون لها رسالة وهي الفكرة التي تسمو بالإنسان.
ولا ننسَ أن البعض يذهب برأيه إلى أن السينما يجب أن يكون فيها جانب ترفيهي وإلا قد تصبح فناً متجهماً.
السينما قد تكون أداة في الارتقاء بوعي المتفرج وبوعي الإنسان بأن تفتح أمامه مجالاً للتذوق والإحساس بالجمال والقيم الجميلة والنبيلة، ويمكن أيضاً أن تنزل بالمتفرج حين توغل به الغرائز وجميع الإثارة والمسائل التي تنزل بمستوى الفرجة.
إن السينما تقدّم رسالة وتصنع ثقافة بل وتخلف أجيالاً جديدة، ففي جميع دول العالم مثلاً نرى تأثير هوليوود ودورها في تكوين وعي فكر الأجيال الجديدة.
نستطيع أن نفهم أن السينما لها دور أساسي إما إيجابي أو سلبي في صنع وعي المتفرج، وهذا ما يساهم فيه صانع هذه الأفلام أو صانع وعي الأجيال، وهو ما يلعب دوراً هاماً قد تدفع بالمتفرج إلى فكر ناضج أكثر وعياً أو فكر متطرف، غير واعٍ وهمجي.
بالرّغم من أن صناعة السينما في هوليوود هي سينما تصبّ في خانة تأجيج وعي جمهورها، إلا أنّ لها ارتباطاً أيديولوجياً لا نستطيع التغافل عنه.
وهذا الارتباط حاضر بشكل قوي في الانتاجات الهوليوودية بمتطلبات الحرب الباردة، التي فرضت على الولايات المتحدة الأميركية اعتماد أساليب التضليل الأيديولوجي في الحقول الإعلامية والثقافية والفنية.
ولكي لا ننسى فقد سبق للفنان العالمي عمر الشريف أن قدّم اعتذاراً لجمهوره وكافة المشاهدين على أدائه دور البطولة في فيلم هوليوودي كانت التجربة الثورية للمناضل الأممي غيفارا موضوعه، وذلك بهدف تضليل الحقائق وقلبها.
إن التزوير الفج للأحداث التاريخية وأدوار الفاعلين المؤثرين فيها يجعل السبب نتيجة والنتيجة سبباً والمستعمر محرراً والمقاوم وحشاً ومجرم الحرب ديمقراطياً والثائر عميلاً.
ولقد وصلت شوائب هذا التضليل إلى السينما العربية، والأمثلة عديدة، ولم تعد أغلبية السينما العربية تحمل رسالة تخدم الوعي بقدر ما هي سينما من أجل الشهرة.
إن السينما الأميركية أو حتى العربية تستمر في التضليل والتزييف وقلب الحقائق لصالح النظام الرأسمالي ومراكزه العالمية، ليصبح صانع الأفلام أو صانع السينما مشاركاً في تضليل وعي الجمهور لصالح أحداث أخرى لا تخدم المجتمع والفكرة بقدر ما تخدم الرأسمالية والمراكز العالمية والشهرة.
كما أنه بات يبدو أن العاملين في المجال السينمائي "وضمن المجال الدرامي التلفزيوني" يضعون الهمّ القومي العربي وتأصيل الوعي في آخر اهتماماتهم أو الأدق ليس وارداً في برامجهم وإنما حسبهم تقديم أفلام عاطفية أو اجتماعية مفرغة من الفكر والانتماء والهوية والتواصل مع عالمنا العربي من مشرقه ومغربه.
يرى البعض أن سبب تقهقر وتراجع السينما العربية وتخلّفها يعود لقلّة الاستثمار المالي، ويرى آخرون أن السينما العربية فقيرة لكل ما هو فكرة وبعيدة كل البعد عن الواقع العربي الذي يعيش مشاكل وتصادماً، وهذا لأن السينما العربية منشغلة بصناعة الأفلام الوردية.
هنالك الكثير من الأفلام التي ساهمت في كشف الواقع، وقد عمل صنّاعها جاهدين على كشف هذا الواقع وإظهاره للعالم على حقيقته، وهذا ما جعلها أهلاً لنيل الجوائز العالمية، ونجد على سبيل المثال المخرج السوري باسل شحادة وهو من أوائل المخرجين الذين حملوا كاميراتهم وقدموا إلى العالم الحقائق مما تسبب في قتله.
إن صناع السينما ينقسمون إلى شقين؛ منهم من يسعى لكشف الواقع، ومنهم من يسعى لحجبه، وأنا أتحدث عن صناع الأفلام، فهل صناعة الأفلام لها دور كبير في صناعة الفيلم السياسي؟
هنالك علاقة جدلية بين السينما والسياسة من الإشكاليات الفكرية التي طُرحت للنقاش منذ عقود، والتي ما زالت تطرح نفسها إلى اليوم.
وفي بادئ الأمر وجب علينا الرجوع إلى الوراء، أي فترة ظهور الفن السابع.
أما السياسة فقد كانت ظاهرة اجتماعية قديمة قدم الإنسان نفسه.
هذا وقد كانت السينما في بداياتها الأولى أداة فعالة للتأثير على الجماهير كما كانت السياسة ذات تأثير كبير في هذا الفن؛ حيث كانت الإنتاجات السينمائية الأولى كفيلم "المعركة لإيز أينشتاين" وفيلم "الديكتاتور العظيم لشارلي شابلن".
لقد تطور التناول السينمائي للقضايا السياسية في المدارس السينمائية الإيطالية والفرنسية وغيرها وتعرضت هذه الأفلام للمنع حتى.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.