“بزنس” السينما في السعودية

وكانت السلطات المسؤولة لا تقترب من هذا الملف "الحساس" من قريب أو بعيد، علماً أن هذه السلطات نفسها هي التي أغلقت قبل أكثر من 35 عاما دور العرض السينمائي الخاصة بالمواطنين، في محاولة لاحتواء غضب التيار الإسلامي عقب أحداث الحرم المكي، واستمر هذا الوضع حتى الآن.

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/02 الساعة 06:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/02 الساعة 06:25 بتوقيت غرينتش

ا حديث بين شريحة كبيرة من السعوديين حالياً، إلا عن دور السينما وشاشات العرض السينمائي، التي سيتم السماح بها في السعودية في بداية العام القادم، بعد حظر دام أكثر من ثلاثة عقود.

الاهتمام هنا يأتي من كون السينما كانت من التابوهات داخل المجتمع السعودي طوال السنوات الطويلة الماضية، حيث كان لا يجوز لأحد الاقتراب من الحديث عنها، وخاصة أن التيار الإسلامي كان يتعامل مع "الشاشة الكبيرة" على أنها "شيء مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية، لما ينطوي عليه من مفسدة للأخلاق، ومدمر للقيم، ومدعاة لاختلاط الجنسين. وأنها تدمر أواصر الأسرة، وتفسد النسيج الاجتماعي، وتحض على الرذيلة والفسق والفجور، وأنها كذلك لا خير فيها ومصدر ضرر وفساد".. إلى آخر الكلمات التي كان يتم سردها للعامة عند ذكر كلمة سينما ولو في موقف عابر.

وكانت السلطات المسؤولة لا تقترب من هذا الملف "الحساس" من قريب أو بعيد، علماً أن هذه السلطات نفسها هي التي أغلقت قبل أكثر من 35 عاما دور العرض السينمائي الخاصة بالمواطنين، في محاولة لاحتواء غضب التيار الإسلامي عقب أحداث الحرم المكي، واستمر هذا الوضع حتى الآن.

الآن، الحكومة السعودية هي التي أعطت هذا الزخم والاهتمام الشديدين بالسينما ودور العرض، وسلطت الأضواء بشدة على هذه الصناعة التي عرفها العالم منذ سنوات طويلة. ولا يزال علماء دين بالسعودية يتعاملون معها على أنها من "الموبقات" التي لا يجوز الاقتراب منها أو حتى مناقشة منافعها، كما كان الحال مع "تحريم" قيادة المرأة للسيارة والتي سمح بها النظام السياسي أخيراً، رغم عشرات الفتاوى الدينية التي كانت تحرمها طوال السنوات الماضية.

الاهتمام السعودي الأخير بالسينما، ذلك الشيء الممنوع في المملكة منذ بداية الثمانينيات، يمكن رصده في 5 مؤشرات مهمة، هي:

الأول:

الحكومة السعودية تعلن عن السماح بافتتاح دور سينما، وأن أول دار عرض سينمائي قد تبدأ عرض الأفلام في مطلع شهر مارس/آذار القادم، وأنها تتوقع فتح مئات من دور السينما تضم آلافاً من شاشات العرض.

الثاني:

وزارة التجارة والاستثمار السعودية تعلن أنه اعتباراً من مطلع شهر يناير/ كانون الثاني المقبل، ستبدأ باستخراج سجلات تجارية لدور السينما، ومجلس إدارة الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع يوافق على إصدار تراخيص للراغبين في فتح دور للعرض السينمائي بالمملكة.

الثالث:

وزارة الثقافة والإعلام السعودية تؤكد أن صناعة "السينما" مشروع مربح اقتصاديا وماليا وأنه يحد من البطالة ويقلل عجز الموازنة العامة ويزيد الإيرادات العامة، بل وتقدم أرقاما للجمهور، منها أن مساهمة القطاع السينمائي في الناتج المحلي الإجمالي تقدر بأكثر من 90 مليار ريال سعودي (ما يعادل 2.4 مليار دولار)، بعد إطلاقه قريبا، وأن القطاع سيوفر أكثر من 30 ألف وظيفة دائمة، إضافة إلى أكثر من 130 ألف وظيفة مؤقتة بحلول عام 2030.

الرابع:

صندوق الثروة السيادي في السعودية، الذي يترأسه ولي العهد محمد بن سلمان، قال إنه يخطط للدخول في مشروع سينمائي مع شركة "إيه.إم.سي إنترتينمنت" الأميركية القابضة المشغلة لدور السينما.

و"إيه.إم.سي"، لمن لا يعرفها، تملك العلامة التجارية أوديون، وواحدة من أكبر شركات العرض السينمائي في العالم، إذ تدير نحو ألف دار عرض ونحو 11 ألف شاشة عرض في أنحاء العالم.

الخامس:

شركة ماجد الفطيم، الإماراتية، التي تملك "فوكس" سينما، تعلن عن رغبتها في فتح أول دار عرض سينمائي في السعودية.

السؤال: هل اكتشفت الحكومة السعودية فجأة كل هذه المزايا الاقتصادية والمالية لدور السينما، وأهميتها الكبيرة للموازنة السعودية التي تعاني من عجز بلغ 79 مليار دولار في العام الماضي 2016 بسبب تهاوي أسعار النفط، ولذا راحت تعمل بحماسة للإسراع في إنجاز هذه الخطوة في أقرب وقت، والتعاقد مع أكبر الشركات العالمية المتخصصة في إدارة دور العرض؟

وهل صحيح أن السينما ستدر كل هذه المليارات على الاقتصاد السعودي، خاصة في ظل الإنتاج السينمائي الضعيف المتوقع داخل المملكة لأسباب دينية واجتماعية؟ أم سيتم فتح الباب على مصراعيه أمام القطاع الخاص السعودي والعالمي لإنتاج سينمائي ضخم، وبالتالي الدخول في منافسة مع هوليوود أو الهند أو تركيا؟

أنا هنا لن أناقش أهل الفتوى ورجال الدين لماذا حرمتم السينما في الماضي، ولماذا سمحت بها السلطات حاليا، لكن من حقي أن أسأل: هل اكتشفت
الحكومة السعودية فجأة أن السينما مشروع اقتصادي عظيم ومربح يمكن أن يدر المليارات على الاقتصاد؟

– تم نشر هذه التدوينة في موقع العربي الجديد

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد