بابا نويل في مسجدنا

المستفز في الموضوع أن المسلم هو دائماً ضحية الأحداث كلها، وبلاد العرب والمسلمين ميدان صراع الكبار، يحرق فيها الأخضر واليابس على أعين من العالمين، ومع ذلك مطلوب من المسلمين المضطهدين في أرضهم، أن يبادروا بحملات ويتقدموا بمبادرات تثبت براءة الإسلام المذبوح أصلاً.

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/28 الساعة 05:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/28 الساعة 05:27 بتوقيت غرينتش

هل رأيت بابا نويل المسيحي في المسجد، كما نرى بابا نويل المسلم في الكنيسة؟ مشهد يتكرر كل عام وفي كل مناسبة، تستفزني محاولات البعض هذه لتقديم شهادة حسن سير وسلوك عن الإسلام عند كل جريمة تقع هنا أو هناك، أو في كل مناسبة وعيد لأصحاب الديانات الأخرى، خاصة النصارى.

لك أن تتخيل أن أحدهم خرج إلى الشارع أو في السوق فجأة ينادي قائلاً: أنا بريء من جرم أخي، وهو المعروف بحسن الخلق وطيب المعاملة، هذا الفعل قد يترك في نفوس الناس شكوكاً تضعه في عين الشبهة بأنه متهم أو شريك في جرم أخيه، وإلا ما احتاج إثبات البراءة وهو مشهود له بالخير بين العارفين به.

المستفز في الموضوع أن المسلم هو دائماً ضحية الأحداث كلها، وبلاد العرب والمسلمين ميدان صراع الكبار، يحرق فيها الأخضر واليابس على أعين من العالمين، ومع ذلك مطلوب من المسلمين المضطهدين في أرضهم، أن يبادروا بحملات ويتقدموا بمبادرات تثبت براءة الإسلام المذبوح أصلاً.

في المقابل، لا تجد الآخر المدان بقتلك ترف له عين، فلا يقدم اعتذاراً، بل يقيم تكريماً للمجرم، في "إسرائيل" مثلاً، يقود حكومتها متطرفون يدعون علانية إلى قتل العرب والمسلمين بمباركة الحاخامات، ومع هذا تجد الكل يتقرب إليهم يخطب ودهم ورضاهم.

الإسلام لا يحتاج إلى إثبات المثبت وتأكيد المؤكد لا يحتاج منا الصلاة في الكنائس وهي مصونة محمية في بلاد المسلمين، لا ضير إن كان تواصلاً اجتماعياً ومحبة وأخوة في إطار العلاقات الطبيعية، وليس من أجل كما يقول البعض "نريد أن نوصل رسالة للعالم أننا أهل سلام ومحبة".

في غزة التي أسكنها، ذات الغالبية المسلمة وقليل من المسيحيين، يعيش الناس جنباً إلى جنباً، لنا ديننا ولهم دينهم، حرية الاعتقاد مكفولة، لا إكراه في الدين، فقد تبين الرشد من الغي، لنا مساجدنا ولهم كنائسهم، والجميع هدف في بنك أهداف القصف الإسرائيلي، فهل مطلوب مني أن أرتدي لبس ما يسمى "بابا نويل"؛ لأرسل رسالة سلام ومحبة، وأنا أقوم بذلك فعلاً لا قولاً، وميداناً يشهد؟ هل أصبح لازماً أن أتشبه بهم لأثبت لهم وللعالم أنني قريب منهم، محب لهم؟

للأسف، هذا العالم الذي نرسل له رسائل المحبة والوفاء، هو نفسه الذي يحاربك ويشوه صورتك وسمعتك من خلال إعلامه الرسمي الذي يوجه الرأي العام الشعبي إلى الوجهة التي يريدها صانع القرار وواضع السياسات.

في أميركا، عندما يرتكب مواطن مسيحي جريمة قتل أو دهس، يمر الخبر مرور الكرام على وسائل الإعلام، فيما لو كان الفاعل مسلماً تقوم الدنيا ولا تقعد.

واقع الانفتاح العالمي بفضل تطور التكنولوجيا ووسائل التواصل والاتصال، استطاع كسر وجهة النظر الواحدة، وتجاوز الرأي الواحد والصورة الواحدة، ومن اللافت أن تسمع مفكرين وفلاسفة من الغرب يدافعون عن الإسلام وزيادة، كأنهم منه وهو منه.

فرق بين استثمار هذه الوسائل في الدعوة إلى فكرتك، وتقريب وجهات النظر وبين أن تتخذها وسيلة لإظهار "المسكنة"، فقط للتبرير، لا تكون في موقف الدفاع فقط، بل بادِر وبلّغ وادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن، تماماً كما يفعلون لدينهم من خلال تنظيم حملات التبشير بصمت ودون ضجيج.

المسلم قوي في نفسه، قوي في إسلامه وإيمانه، قوي في سماحته وعلاقته الطيبة مع الآخر، فهو دين المعاملة، وقبول الآخر ما لم يعتدِ حتى لو كان هذا المعتدي مسلم، فلا يقبل منه، لهذا أرى أنه من غير المقبول أن تضع نفسك في موقف الاستضعاف والاستكانة، ففي ذلك إهانة لنفسك وإضعاف لرسالتك، وإنعكاس لصورة مهينة لإسلامك.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد