إثيوبيا ما بين التزامات وتحديات إيواء اللاجئين

وكانت إثيوبيا الخيار الأنسب للعائلة؛ نظراً لوجود أقرباء لهم هنا، وتمكنت فاطمة بمساعدة أقربائها من الحصول على المواد اللازمة لصناعة الحقائب وبيعها بمساعدة وبواسطة بعض التجار في المعارض الدورية، مما يمكّنها من جني المال لإعالة أسرتها وتوفير مصدر دخل يوفر حياة كريمة لهم.

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/27 الساعة 23:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/27 الساعة 23:59 بتوقيت غرينتش

خلال زيارتي لأحد معارض الصناعات اليدوية في أديس أبابا، لفتت نظري مجموعة من الحقائب الجميلة يدوية وبسيطة الصنع، فتوجهت مباشرة لرؤيتها، وأنا لا أقوى على مقاومة حبّي للحقائب المصنوعة يدوياً، كانت الحقائب بالفعل جيدة وبقيمة معقولة، إلا أن ما أثار دهشتي البائعة الشابة التي قامت بصنع الحقائب، فاطمة [1] فتاة يمنية في منتصف العشرينات، تبادلت أطراف الحديث معها، وعرفت منها أنها لاجئة يمنية قدمت مع أسرتها إلى أديس أبابا بعد اندلاع الحرب في اليمن.

وكانت إثيوبيا الخيار الأنسب للعائلة؛ نظراً لوجود أقرباء لهم هنا، وتمكنت فاطمة بمساعدة أقربائها من الحصول على المواد اللازمة لصناعة الحقائب وبيعها بمساعدة وبواسطة بعض التجار في المعارض الدورية، مما يمكّنها من جني المال لإعالة أسرتها وتوفير مصدر دخل يوفر حياة كريمة لهم.

فاطمة حالة من بين مئات اللاجئين اليمنيين الذين فروا إلى جيبوتي وإثيوبيا، هرباً من الحرب الدائرة في بلادهم منذ مارس/آذار 2015، والتي تبدو أن لا نهاية لها في الأفق القريب.

وتكشف بيانات مكتب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في إثيوبيا، أن عدد اللاجئين اليمنيين المسجلين لديه بلغ 1718 شخصاً، في شهر سبتمبر /أيلول2017، يقطن معظمهم في العاصمة أديس أبابا؛ حيث منح اللاجئون اليمنيون، واللاجئون القادمون من دول منطقة البحيرات العظمى، حق الانتقال والإقامة في أديس أبابا؛ نظراً لعدم وجود مخيمات مخصصة لهم، الأمر الذي سهَّل بدوره من فرص العمل والاندماج في المجتمع المحلي الإثيوبي، ويحصل معظم اللاجئين على إعانات من المفوضية الأممية ومساعدات من منظمات غير حكومية محلية وأجنبية.

يشكل اللاجئون اليمنيون في إثيوبيا جزءاً من قطاع عريض من اللاجئين في البلاد، والذين بلغ عددهم 900 ألف لاجئ، موزعين في 27 مخيماً في شرق وشمال وغرب وجنوب غرب البلاد، تشرف عليها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بالتعاون مع إدارة شؤون اللاجئين والعائدين التابعة للحكومة الإثيوبية.

ويشكّل اللاجئون من جنوب السودان والصومال وإريتريا السواد الأعظم في مخيمات اللجوء، يليهم اللاجئون من السودان واليمن وجنسيات أخرى المقيمون في أديس أبابا والمدن الرئيسية الأخرى، خارج المخيمات.

وتأتي سياسة إثيوبيا بإيواء اللاجئين وتوفير الرعاية لهم تنفيذاً لالتزاماتها بموجب معاهدة عام 1951 الخاصة بأوضاع اللاجئين، وظلت إثيوبيا تتبع سياستها التي تعرف بـ"سياسة الأبواب المفتوحة" لقرابة العقدين، والتي كانت تركز على الإيواء والرعاية فقط، وأكسبتها احتراماً وتقديراً قارياً ودولياً.

وشهدت هذه السياسة تحولاً هائلاً العام الجاري، باتخاذ إثيوبيا خطوة غير مسبوقة في أكتوبر/تشرين الأول 2017، بوضع لوائح جديدة تسمح بتسجيل الأحداث الأساسية في حياة اللاجئين بما في ذلك الميلاد والزواج والطلاق والوفاة، ضمن السجلات المدنية الرسمية، الأمر الذي يتيح لهم الحصول على خدمات مدنية ويوفر الفرصة لإعادة بناء حياتهم والاندماج في المجتمع المحلي بصورة أكثر فاعلية.

وذكرت كلمنتين كاسا، ممثلة المفوضية العليا لشؤون اللاجئين لدى إثيوبيا، في تعليق على السياسة الجديدة: "من خلال شمل اللاجئين في نظام التسجيل المدني الوطني الإثيوبي، اتخذت الحكومة الإثيوبية خطوة كبيرة في تعزيز بيئة الحماية للاجئين في إثيوبيا" [2].

تمثل هذه الخطوة تنفيذاً لأحد التعهدات التسعة التي التزمت بها الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي تم الإعلان عنها خلال مؤتمر قمة القادة، المنعقد في نيويورك في سبتمبر/أيلول 2016.

وتشمل الالتزامات منح تصاريح عمل للاجئين وتسهيل فرص حصولهم على التعليم، والسماح لعدد كبير من اللاجئين بالإقامة خارج المخيمات، بغية إدماج اللاجئين المقيمين منذ فترة طويلة محلياً، وقد قدمت إثيوبيا تعهدات ملموسة بما يتماشى مع الإطار الشامل للاستجابة للاجئين.

تكمن أهمية اللوائح الجديدة في أنها تمنح اللاجئ حق الوجود كشخص أمام القانون وتتيح له الفرص لحياة جديدة، والحصول على الخدمات المدنية في الدوائر الحكومية، ولا سيما شهادات الميلاد؛ حيث أوضحت المفوضية أن السياسة الجديدة ستمنح أكثر من 70 ألف شخص وُلدوا في إثيوبيا خلال العقد الماضي ولم يتم تسجيل ولادتهم، شهادات ميلاد مما يوفر لهم هوية قانونية تساعد في منح حالات انعدام الجنسية.

من جانب آخر، يفرض إيواء اللاجئين عادة تحديات كبيرة على البلد المستضيف، وتتفاقم هذه التحديات في بلد مثل إثيوبيا، حيث التنوع الإثني الكبير، والتي تشترك مع دول الجوار التي يقدم منها اللاجئون، مثل الصومال وجنوب السودان وإريتريا، ويؤثر تدفق اللاجئين على التركيبة الإثنية في المناطق المستضيفة، الأمر الذي كان جلياً في المشاكل التي ظهرت في إقليم غامبيلا بغرب إثيوبيا؛ حيث تقع معظم مخيمات اللاجئين من جنوب السودان، والتي استضافت أعداداً هائلة من اللاجئين من قبيلة النوير القادمين من جنوب السودان إلى الإقليم، الذي تشكل قبيلتا النوير والأنواك أكبر قبائله، مما أدى إلى مخاوف الأنواك من تأثير ارتفاع أعداد النوير على أوضاعهم، وكان عاملاً في عدة نزاعات في المنطقة.

كما أن الفقر وحاجة المجتمعات المحلية المستضيفة نفسها إلى المساعدة والتنمية يخلق صراعاً على الموارد المحدودة المتاحة، بالإضافة إلى ذلك، فهناك التحديات الأمنية المرتبطة باستغلال جهات خارجية لتدفق اللاجئين، مثل إمكانية استغلال تنظيم الشباب الذي تحاربه إثيوبيا في الصومال، لتدفق اللاجئين الصوماليين إلى البلاد.

إلى جانب تدفق اللاجئين الإريتريين عبر الحدود الإثيوبية الإريترية المتوترة أصلاً منذ اندلاع الحرب الحدودية بين البلدين في (1998 – 2000)، والتي يقدر معدلهم بـ2500 – 3000 شخص يومياً، بحسب بيانات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.

وقد أدى إطلاق النار من قوات حدوية إريترية على لاجئين إريتريين فارّين إلى إثيوبيا إلى حدوث مناوشات بين قوات البلدين في شهر أغسطس/آب الماضي، زادت المخاوف آنذاك من اندلاع حرب تفاقم الأوضاع السيئة في منطقة القرن الإفريقي.

بالرغم من كل تلك التحديات، أثبتت إثيوبيا التزامها الدائم بإيواء وحماية اللاجئين، ومع لوائحها الجديدة فإنها تقدم دليلاً آخر على هذا الالتزام، الذي وفّر حياة كريمة لفاطمة وغيرها من آلاف اللاجئين في إثيوبيا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] تم تغيير الاسم الأصلي.
[2] 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 – موقع UNHCR.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد