هل سامحتني يا أمي؟

وما زلت كلما جالستها وتأملت وجهها، سألتها: هل سامحتني يا أمي؟

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/25 الساعة 03:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/25 الساعة 03:56 بتوقيت غرينتش

كنت أحضر الشاي لزوجي بينما هو يصحح أوراق امتحانات تلاميذه، وطفلي الذي لم يكمل عامه الثاني يلعب، وأخوه الأكبر يرسم.

شعرت بمغص في بطني لكنني تجاهلته، فهذا أمر طبيعي بالنسبة لامرأة حامل في شهرها السابع، لكن هذه المرة لم يكن عابراً.

قدمت الشاي لزوجي، طلب مني الجلوس والاسترخاء عندما رأى وجهي شاحباً، حاولت إخفاء الأمر عنه، لكن الألم كان فوق طاقتي، بدأ الألم في تزايد، وكلما تزايدت حدته ازدادت حركة الجنين معه وكأنه يتألم مثلي، إلى أن بدأت في الصراخ… لم يكن يدري ماذا حصل لي؛ هل هي ولادة مبكرة أم أمر آخر.

طلب من إحدى الجارات أن تنتبه للأطفال، وأخذني إلى أقرب مستشفى، عند الكشف تبين أن حالتي سيئة ويجب استئصال الزائدة في أسرع وقت، وبما أنني حامل فسيتم نقلي إلى مستشفى آخر.. استودع زوجي الأطفال عند أحد الأقارب ثم نقلني إلى المستشفى الذي سأجري فيه العملية.

أخبرَنا الطبيبُ المختص هناك بأنه يوجد احتمال كبير بأن نفقد الجنين في أثناء العملية أو ربما جراء التخدير.

لم أستوعب الأمر في البداية، لماذا سيتم تخديره إن كنت أنا من يتألم؟! وكيف سيقاوم كل هذا وهو ما زال جنيناً في بطني لم يخرج إلى هذه الحياة بعد؟!

بعد منتصف الليل، جهزتني الممرضة وأخذتني إلى غرفة العمليات، كنت أدخل إليها وأنا أحملك ولم أكن أدري هل سنخرج معاً أم لا؟!

وعندما استيقظت كان نور الصباح قد حلَّ، لم أكن أعلم هل الجنين ما زال حياً أو لا، بسبب آثار المخدر.. تمنيت لو تحرك أو ركلني بقدمه؛ لأعلم أنه ما زال هنا، لكني لم أكن أعلم ما الذي ينتظرني بعد هذه الأمنية.

وفجأة، شعرت وكأن خنجراً انغرس في بطني، بدأت بالصراخ إلى أن أتت الممرضة إلى غرفتي وحقنتني بمهدئ وبعدها لم أعِ ما حصل.

استيقظت مساءً وأنا بحال أفضل، كان زوجي يجلس على كرسي بجانبى ويبدو عليه التوتر والتعب، والطبيب يقف أمامي، أخبرني بأن ذلك الألم كان بسبب تحرك الجنين بعدما استيقظ من التخدير، وأنني سأعاني هذا الألم طيلة هذه الأشهر الثلاثة المتبقية من الحمل.

استغربت؛ كيف لجنين بحجم اليد أن يُشعرني بكل هذه الآلام، بسبب حركته العشوائية التي كانت تلامس مكان العملية؟! وكل ما كنت أطلبه من الله هو القوة لأتحمل.

لم أكن أدري أنه بعد صبري هذا سألد أنثى تُنسيني كل آلامي.. رُزقت بريحانة قلبي ومهجة روحي، وهبني الله بمن تؤنس وحدتي.

هكذا حكت لي أمي كل ما عانته في أثناء حملها بي، لن أنسى كيف كانت ملامحها وهي تصف لي آلامها، لا أعلم كيف استطاعت تحمُّل كل هذا وكيف صبرت، رغم أنها لم تكن تعلم هل هذه الروح التي بداخلها طاهرة أم خبيثة… وكيف نسيت كل شيء بعد قدومي إلى هذه الحياة، وكان كل همها أن أكون بصحة جيدة.

وما زلت كلما جالستها وتأملت وجهها، سألتها: هل سامحتني يا أمي؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد