حينما تبلغ مسامعنا لفظةُ "وأد البنات"، نستذكر كلنا تاريخ العرب السالف الحافل بالممارسات الواهنة، حيث لا حُدود شرعت ولا شريعة نُظمت.. كُلٌ يحيا حسب أهوائه ونزعته الفطرية.. إلى أن حل رسول الإسلام بطوق مرصّع بدرر العدل والمحبة والوسطية، فتتسلل تمتمات عبر شبابيك أفئدتنا مروراً إلى أفواهنا، لتكون سبيلاً من عبارات الحمد والثناء على نعمة هذا الدين الحنيف.
ولكن، إذا أدركنا واقعنا وعاينّا الأحداث التي تنشأ في إطار مجتمعاتنا ومختلف وقائع الحياة اليومية، فسنتفطن إلى أن ثقافة وأد البنات لم تندثر بعد؛ بل سنبيدُ الشك باليقين حيال ما يتولد إزاء الأنثى من ظُلم وطَمر، خاصة على المستوى النفسي.. وما في ذلك من إضمار لحقوقها؛ لكونها إنساناً طبيعياً له حُرمة الحياة.
"أمل"، ابنة الـ13 ربيعاً، "احتفلت" بالأمس بكتب كتابها (قرانها) على "المكرّم" ابن عمها أبو 44 سنة!
لم تكن أمل تكنّ أية مشاعر حب أو عشق تجاهه؛ فهي لا تزال طفلة لا همّ لديها سوى تفوقها في مدرستها، وقد أعلمها والدها مسبقاً بأن لا جدوى من تأمل المحب والحب في هذه الدنيا، فالحب عنده "ما يوكلش الخبز"؛ لهذا فإنه انتقى لها ابن أخيه، الكهل الذي يحيا في غربة عن وطنه عله يبعث بها إلى رخاء العيش ورفاهيته، وليعصم قلبها وعينيها من الزيغ.. فابن العم يلتمس بغياً لصبية "تتربى على يديه"، وكانت أمل هي الحل الأنسب عنده.
أما "غزل"، فقصتها مغايرة تماماً لقصة أمل.. فهي الآن تهيم حباً وتصبو هوى.. لقد تزوجت حبيبها الذي طالما ختمت باسمه دعواتها في صلواتها وخلواتها في ظلمات الليل.. فلم تكن تتوق إلى غيره حتى وإن كان شراً لها.. وفعلاً كان ذلك لها.
وقد تبينت بعد شهر من زواجها، أن عريسها يُصَنف بقائمة الذكور المُعَنوَنَة بـ"زير النساء". لكن تتيُّمها به هو ما أحبط قرار اتخاذ موقف صارم تجاهه مع بضع العبارات التي ترددها لها والدتها، التي تخبرها بأن الزوجة العاقلة هي من تغفر زلّات زوجها، وأن كل ما يحدث ما هو إلا امتحان لكشف مدى تحمّلها، فتوسدت صبرها مع كفكفة دموعها، بعد أن توسمت خيراً فيه.
سوف أطلعكم الآن على حكاية "نجاح".. تلك الطالبة التي ذاع صيتها داخل الإعدادية التي ندرس فيها وشاع تفوقها وبرز ذكاؤها.. كان هذا العام هو الأهم والأعظم؛ فهو ختام وتتويج لمسيرتها الإعدادية واستهلال للحياة الحماسية الجامعية.
خلال فترة الامتحانات النهائية، لاحظتُ تغيُّبها وهي التي تحرص دوماً على أن تكون أول الحاضرين.. ثم دريت بعدها أنها أعرضت عن مواصلة دراستها قسراً بأمر من أهلها؛ فهم يفضّلون أن تقبع ابنتهم في المنزل.. تطبخ وتنفخ، تنظف وتشطف، تعزل وتغسل.. على أن تستأنف دراستها في الكلية!
"شريف"، شاب طائش، تتجلى في حركاته وسكناته آثار سن المراهقة الحَرجة.. خلال الأسبوع الماضي، ارتجت أحياء البلدة وارتعدت أرجاؤها لحادثةٍ فاعلُها "شريف".. فقد بطش بأخته وناولها سمّاً في مأكلها حتى أرداها جثة هامدة مُطفأة.. لا لذنب اقترفته؛ بل لأنها أحبّت شخصاً فطالتها الألسنة اللاذعة.. ألسنة سُيّرت للفتنة ودمار ما عُمر.
لم يحتمل الأخ ما شُهر من أحاديث وأقاويل في عِرضه، فقرر أن يُدبر طريقة ليتخلص من أخته ويَسلم من شر الكلام.. حتى قدم على فِعلته، معترفاً بعدها بما ارتكبه، مُقرّاً بأنه ليس نادماً عما حدث؛ فأخته تستحق القتل في نظره ونظر محيطه.
إجبار.. إكراه.. انتقام وانتقاص من قيمة الأنثى لفرض عادات واهية وثقافات آثمة.. شعوبٌ اشتغلت بوأد بناتها ونسيت قول هاديها: "إنمَا النسَاءُ شَقَائقُ الرجَال فَمَا أَكرَمَهُنَ الَا كَريم وَمَا أَهَانَهُنَ الَا لَئيم".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.