حب الشهرة والسعي إلى الحصول على تقدير الآخرين غريزة متأصلة في البشر، ولا تقتصر على زمان أو مكان ما.
لكنها قد تتحول إلى مرض إذا ما استحوذت على جُلّ اهتمامنا، وأصبحت المحرّك الأساسي لسكوننا.
نجلس خلف شاشات حواسيبنا وأجهزتنا الموصوفة بالذكاء ساعات طويلة، نقلب صفحاتنا على مواقع التواصل الاجتماعي؛ نراقب ردود أفعال الأصدقاء، الحقيقيين منهم والمفترضين، على صورة أو خاطرة قمنا بنشرها، فنحصي عدد حالات الإعجاب والتعليقات المجاملة، ونسرّ لتعليق هنا أو مجاملة هناك.
تُرى، هل أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مرايانا العصرية التي نديم النظر فيها إلى وجوهنا، نتعبّدها بحيث بِتنا نعمل جاهدين على تحسين مظهرنا الخارجي، ونرسم لأنفسنا صوراً مغرقة في الإيجابية نسعى من خلالها إلى الحصول على إعجاب الآخرين بظواهرنا؛ لنرمم من خلاله الشرخ الذي أصاب دواخلنا؟
فنحن إذ نظهر على مواقع التواصل، فإننا نختار أفضل ما عندنا، أفضل صورنا، ومناسباتنا، وأفكارنا، نهتم بتحسينها على حساب جوانبنا الأخرى التي نهملها؛ لأنها غير بادية للعيان.
فلو عاش الصياد الإغريقي الذي أعطى للنرجسية اسمها "Narcissus" في عصر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، لوجدها بديلاً مثالياً لغديره الصافي في غابات اليونان، والذي ظل عاكفاً عليه يتعبد انعكاس صورة وجهه على صفحته.
لكن الفرق الجوهري هنا أن المرآة تعكس صورنا الحقيقية من دون رتوش، بينما تعكس وسائل التواصل صوراً اخترناها بعناية، وتلاعبنا بها.
تشير العديد من الدراسات إلى العلاقة الطردية الواضحة بين النرجسية وعبادة الذات وبين إدمان استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وعدد مرات الظهور عليها.
كما خلصت دراسات أخرى إلى أن طلبة الجامعات أصبحوا أكثر نرجسية وأنانية، يعبدون ذواتهم ويضيقون ذرعاً بالرأي الآخر، ويردون عليه بشراسة مبالغ فيها.
فالنرجسية تؤدي إلى تضخم الـ"أنا" والشعور بالعظمة، ما يجعلنا بالغي الحساسية تجاه أي نقد يوجه إلينا، ونقابله بردة فعل مبالغ فيها.
كما تجعلنا متطلبين للمديح والمجاملة والإشادة.
والخطير في الأمر أن نستعيض عن النجاح الحقيقي بالاعتراف الخارجي الافتراضي، ونجعل من هذا الأخير مقياساً لإنجازاتنا وقيمتنا الحقيقية، فالاعتراف الخارجي يأتي كنتيجة للنجاح، لا بديلاً منه.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.