بين القبضة الأمنية الكلية وشيء من التخوين في ليلة وضحاها، أصبح خالد علي عمر، السياسي الشاب والمحامي الحقوقي، صاحب الخمسة وأربعين عاماً، مادة لحديث وصراع بين الترحيب والرفض من أبناء السوشيال ميديا حالياً والثورة سابقاً.
بعد أن أعلن المذكور عزمه عن خوض انتخابات الرئاسة لعام 2018 وعن بدء تشكيل حملته الانتخابية التي تتوالى تصريحاته بشأنها يوماً بعد يوم، وفور انتهاء المؤتمر تعالت بعض الأصوات بأن المحامي الشاب ما هو إلا كومبارس جديد مثله مثل سابقه من أربعة أعوام، حتماً سيتم استخدامه لإتمام العملية الانتخابية في البلاد ومن ثم الاستغناء عنه وتعالت من بعدها الرؤى لِنظرتين، أرى أن كل واحدة منهما لها أسبابها الموضوعية والواقعية بعيداً عن العواطف الهاوية.
كيف له أن يُقارن المحامي الذي أبى الترشح في الانتخابات الماضية متحججاً أنها مجرد لعبة عرائسية ليس لها أي جدوى والآن حجته تغيرت فهو يرى أن الواقع تغيّر فيجب على الجميع التحرك، وأن هذه هي الفرصة لزحزحة قبضة النظام وإرباك مفاصله، أو على الأقل منافسته والنضال أمامه بالصراع السلمي والإصلاحي لمزيدٍ من التغيير.. وتتموضع وجهة نظر المحامي على عرش تستند أقدامه بشكل مرتكز، فهو الذي تعالت أصواته أمام منصة القضاء وقال: إن شهداء رابعة هم شهداء الثورة، وإنه سوف يدافع عن أي مظلوم مهما كان توجهه، كما أنه رفض التفويض والتطبيل دوماً وهو الأشهر ومُدعي الحق المدني والقانوني في القضية المعروفة بجزيرتي تيران وصنافير التي طالما أخذ من ورائها صيتاً عالياً، بل تأجج صوت نضاله الوطني فيها أمام من يتفقون معه وتبروزَت صورته في مربعات الوطنية والاستقلالية، كما عُرف عنه تضامنه مع القضايا القومية والوطنية، كما تسمى عند البعض، كقضية فلسطين وانتفاضتها، والعراق قديماً وحديثاً وبلاد الربيع العربي كسوريا واليمن وليبيا..
وتصدر المشهد المناهض لترشحه عدة نقاط تختلف أهميتها من قِبل الطارح والمطروح عليه:
* الأولى:
أن الرجل يفرش للنظام المصري السجادة الحمراء لِيتبختر عليها أمام حشد المجتمع الدولي، فينظر له ويَشهد أن مصر تسير على الأعراف والأعراس الديمقراطية، فيأخذ النظام شرعيته من المجتمع الدولي مجدداً.
ولكن هل يُعقل أن النظام الذي حجب مئات المواقع الإخبارية التي لم يفلت منها حتى المواقع الغربية والحقوقية العالمية يحتاج لتحسين صورته أمام أحد؟
ونظرة أخرى ألم يعطِ المجتمع الدولي أو على الأقل لم يتحرك منذ خمس سنوات على القتل والدمار والفوضوية التي حدثت في البلاد؟
* أما الثانية فكانت تسرد:
أن الطرف المناهض للترشح هو الطرف الذي ما زال يحلم بعودة الرئيس مرسي إلى الحكم مرة أخرى، ويرى أن الانتخابات باطلة ويهاجم كافة الأسماء، ويرى أيضاً أن مشاركة خالد علي تطمس الآمال المطموسة عند العالم أجمعه إلا عندهم في عودة الشرعية، وينظر البعض بأن المشاركة تفريط في الدماء والقصاص والتخلي عن المعتقلين السياسيين، بينما يردُ المؤيد بأنه يجب على بقايا الثورة الالتفاف حول كتلة واحدة تزن كفة الميزان بينها وبين النظام الحالي المتثبت أركانه بقوة.. ويدعو الطرف الآخر إلى الصحوة من غفلته؛ لأنه بات من المستحيل أن تظل الأجواء النفسية للشباب كما هي، فالأصدقاء قابعون وراء الأسوار ينادون من معزلهِم بالحل والخروج واستكمال حياتهم، وآخرون مطاردون بلا مأوى ومهاجرون بلا وطن ومواطنون بلا مستقبل، غير الذي حمل أكفانه منهم وسبقهم إلى التراب.
واستنكر بأن من ينادي بعودة الشرعية والعزوف عن المشاركة يمكث خارج البلاد في غرف مكيفة يصدر أحكامه على مَن في الداخل، ولا سيما من تعالى صوته في يوم من الأيام مستغيثاً بربهِ وشاكياً له ظلم الذين وضعو له أسلاك الكهرباء في جسده، وبات ليلته في داخل غرفة صغيرة مظلمة يملؤها الماء.
فهذا يحكم على ذَاك أنه خان وباع وفرط فَيتحججون بمبادئ وقيم لا سبيل لها في الواقع، وربما ما زالوا على اعتقادهم أن الشعب سيذهب إليهم؛ ليقدم لهم فروض الولاء والطاعة ويذهب بهم إلى الكرسي الذي باتوا سنين يحلمون به ويسعون لامتلاكه.
أو ربما لديهم الخوف من انتهاء أسطورة الشرعية لشخص بعينه التي انتهت بالفعل على أرض الواقع ولم يعد لها وجود في الحياة السياسية أو المجتمعية في الشارع المصري.
* الثالثة:
وهي بوجهة نظري أقرب إلى الواقع، ردد البعض أن ترشح المحامي سوف يعطي الشكل العام للمجتمع السياسي المصري على أنه يتكون من طرفين متصارعين؛ الأول يتركز في السلطة وأدواتها، والثاني في المعارضة المدنية وشبابها يترأسهم المرشح المحتمل، وبذلك قد يمحو ويهدر حق المعارضة الحقيقية الماكثة منذ عدة سنوات بين الجدران خلف قضبانها، ويخاف البعض أن تختزل الحياة السياسية بين النظام والمعارضة المدنية، ويظل الاثنان يتبادلان الغزل العنيف وتُنسى المعارضة الحقيقية سنوات وسنوات في غيابات الظلمات.
ولكن أجاب الطرف المتهم على تلك النقطة بأن لا واقعية في هذه النقطة، فمعظم الذين يؤيدون الترشح كانوا هُم أنفسهم خلف القضبان من قبل، فلم يقبض النظام كفته على الإخوان وحلفائهم فقط، ولكن كانت القوى الليبرالية واليسارية والاشتراكية لها نصيب دائم من تلك القبضة، ولا إنكار للعقل أن القوى الإسلامية نالت النسبة الأكبر من التنكيل، ولكن فلا مانع للتصدي أمام النظام بطرق وسبل إصلاحية أخرى يرى مُتبنوها أنها هي الحل الوحيد وغير ذلك يكمُن في المحال.
ومن وسط الأفعال وردودها وبين فقدان الأمل والانكسار النفسي للمواطن المصري الذي أرهقته رحلة البحث عن لقمة عيشه والصب في مصلحته ليلة الخميس، هل تتحرك المياه الإصلاحية الراكدة ويحمل شِراع النضال مجدداً؟
وخوض معركة جديدة مع النظام الحالي لا أحد يعلم إلى أي نقطة ستنتهي أو كيف؟ ولكن من المحتمل أن يرى النظام المصري وجهة نظر بعيداً عن كل هذا لا يري فيها إلا نفسه فقط.
فى محاولة أخرى ومعركة جديدة واجتهاد لكشف الديمقراطية الزائفة التي يتغنى بها النظام أمام العالم، وتكون سبيلاً وحجةً لنشر الوعي بين الناس وإعادة مخاطبة الناس في الشوارع من جديد وسط القبضة الأمنية..
ونوه المرشح بأنه سينسحب إذا لم يعطِ له النظام الحالي ضمان سلامته هو ومؤيديه وحريته الكاملة في جمع التوكيلات وممارسة حملته الانتخابية، ومن المؤكد أنه ينوه بشيء مؤكد؛ لأن النظام لن يمنح له الفرصة فيما يطلبه.
فهل يعلن انسحابه قبل الخوض أم أنه سيصنع مجداً يرافق نظيره السابق المرشح أيمن نور في انتخابات ٢٠٠٥، أم يكون إصبع يديه الأوسط هو العائق في الترشح بحكم قانوني طالما انتظره الجميع؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.