كنتُ قبل أيام قليلة في زيارة بحثية إلى بنغلاديش؛ حيث كنتُ ضمن فريق علمي من مؤسسة أثر للابتكار، زُرنا بعض مخيمات اللاجئين الروهينغا جنوب شرقي البلاد، وذلك في محاولة لتقديم أبحاث علمية متعلقة بأول أيام الهجرة، وللاطلاع عن كَثب على طريقة تفاعل اللاجئين مع بيئتهم الجديدة.
الوصول إلى بنغلاديش
مع الساعات الأولى لوصولنا إلى بنغلاديش (المستقلة عن باكستان) التي كانت تعرف سابقاً باسم باكستان الشرقية، تظهر لك فيها نوعية البِنى التحتية المتهالكة، كما يظهر لك شعب مستكين وطيب يبدو غير راغب بأي نوع من المشاكل.
حيث خلال فترة إقامتنا كاملة لم نرَ فيها مشاجرة واحدة، وهذا غريب جداً على من قدموا من تركيا.
النظام العام في بنغلاديش، كما باكستان التي سكنت فيها عمراً في وقت سابق، لا يوحي بالكثير من النظافة، فمفهوم النظافة، سواء في الشارع أو المطعم أو في الطعام والشراب وغيرها، مختلف عن مفهومنا نحن العرب، مما يجعل المرض يتفشَّى بين الناس بشكل كبير.
الأتراك في بنغلاديش
طبيعة الطعام الصعبة جعلتنا نبحث عن بدائل لتجنّب الأكل من الشارع، أو حتى في بعض المطاعم في العاصمة دكا؛ حيث لا تفتقر الكثير من المطاعم هناك للنظافة، مما جعلنا نبحث عن بدائل نعرفها وقد تبدو أكثر ثقة لنا.
ولم نستغرب من وجود بعض المطاعم العالمية كالبيرغر كينغ وغيرها، إلا أن المطعم التركي في الشارع الرئيسي في العاصمة دكا كان مختلفاً!
الشيف الأساسي تركي، حضر إلى هنا مع صاحب المال الذي أنشئ المطعم، لكن المفاجئة كانت في أن جميع الندلاء في المطعم يتحدثون اللغة التركية بشكل جيد.
جميعم خضعوا لتدريب مكثَّف يجعلهم قادرين على التواصل مع الزبائن بلغة تركية مفهومة. مما جذب انتباهي أكثر لأسأل عن مراكز تعليم اللغة في بنغلاديش.
الحكومة التركية لديها أكثر من مركز لتعليم اللغة التركية في دكا، تابعة للسفارة التركية هناك، وتشرف عليها الدولة بشكل مباشر، لا تقوم بتعليم اللغة فقط، بل نقل التجربة الثقافية التركية إلى بنغلاديش.
بإمكانك في المطعم أن تسأل عن السميت التركي، الشاي التركي غير متوافر لأن الشحنة لم تصل في الوقت المطلوب من إسطنبول، لكن الأجبان (التي بالمناسبة لا يعرفها الشعب البنغالي) متوافرة في المطعم بكثرة، كما هي المأكولات التي لا تخضع لنظام الكاري.
نظام الطرق
الدولة كما هي بعض المستعمرات البريطانية القديمة، نظام القيادة فيها مختلف عن بقية الدول الأخرى، حيث السائق على اليمين، ولا سلطة لقانون يضبط إيقاع السيارات هناك، فالبقاء في الشارع لمن كان قلبه أقوى بكل ما لهذه الكلمة من معنى، كنا نجلس في السيارة متشهدين على أرواحنا مع كل مفترق طرق، فسائقنا لن يتوقف كما أن غيره لن يتوقف له، ضاربين بعرض الحائط جميع البروتوكولات ونُظم القيادة المعروفة في العالم.
الشيء المميز في بنغلاديش أن جميع باصات النقل العامة صناعة محلية، ألواح خشبية كبيرة مكسوة ببعض الألومنيوم، في بطنها محركات كبيرة مستوردة من دول مختلفة، تجمع كلها في العاصمة دكا، وتنطلق تشق الطرقات بصوت مزعج وعوادم تكاد تخنقنا من كثرة الدخان المنبعث منها.
البيبي تكسي، أو الريكشا هي وسيلة النقل الأهم في بنغلاديش، حيث إنها نظام النقل الخاص بالفقراء؛ حيث تجدها منتشرة في كل مكان وتصل إلى كل الأماكن، والفرق بين الريكشا والبيبي تكسي، أن البيبي تكسي تعمل بمحركات الغاز، بينما الريكشا تعمل بالجهد البشري.
الأمطار والأسماك
بنغلاديش دولة استوائية، تكثر فيها الفيضانات بسبب كثرة الأمطار وغزارتها، مما يجعل البلد يبدو عائماً على الماء، كما أن هذا الأمر يعزز الثروة السمكية فيها بشكل كبير.
بعض السكان يتحدثون عن أن فيضانات المجاري في دكا كما فيضانات الأنهار تحمل خيراً عظيماً فجميعها يلقي بالأسماك (لكثرتها) في شوارع البلاد ويجعلها متاحة للجميع دون الحاجة للصيد.
محركات تعمل على الغاز
وأنت تصعد أي تلة صغيرة في بنغلاديش، لن يسعفك الباص الذي تركبه أو السيارة؛ إذ إن معظم المواصلات في البلاد تعمل محركاتها بالغاز، الأمر الذي يجعلها غير قادرة على حمل الباص إلى أعلى التلة، مما يستدعي من سائقي الباصات دائماً إطفاء المكيف والراديو وكل شيء، لتوجيه جميع العزم الخاص بالمحرك إلى دفع الباص للأعلى.
اللغة
كان يظهر علينا أننا أجانب لا ننتمي لهذه الدولة ولا لأهلها، فأجسام الناس هنا صغيرة ضعيفة، بينما كنا ٤ أشخاص يحمل كل واحد منا جثة ضخمة (حسب تعبير صديقنا البنغالي)، وعليه فقد كان معنا مترجم يبادر بالتحدث إلى الناس مباشرة بلغتهم البنغالية، مما يدفع كثيراً منهم للاستغراب والغضب فيتجاهلونه متوجهين إلينا للحديث مباشرة باللغة الإنكليزية واسعة الانتشار هناك.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.