تبدو الكتابة أحياناً في أمور غير قضايا الأسعار والفقر والبطالة والفساد ونهب ثروات الشعوب والأحوال المعيشية للمواطن نوعاً من الرفاهية التي قد لا يقبلها القارئ العربي، لكن قضايا وأزمات تطرأ على الساحة قد تجبرك على الكتابة عنها، خاصة وأن عدم التعرف على الأزمة بالشكل الكافي قد يلحق أضراراً بكثير من المهتمين بها، من بين هذه القضايا المضاربة في العملات الافتراضية والعملات النقدية بشكل عام.
قبل شهور حذرت من التعامل بعملة بيتكوين وغيرها من العملات الرقمية أو الافتراضية ونصحت بعدم المضاربة فيها، وها أنا أكرر تحذيري بعد أن ارتفع سعر عملة "بيتكوين" إلى مستوى قياسي جديد يقترب من عشرة آلاف دولار، كما زادت قيمتها أكثر من 20% خلال الأيام الثلاثة الأخيرة فقط، وتكرر الحال مع عملة "أثريوم" و10 عملات رقمية أخرى، حيث زاد الهوس بها خاصة مع انتشار الشركات المروجة لها بين الشباب والباحثين عن الثراء السريع.
والغريب أن هذا التدافع في شراء العملات الرقمية والاستثمار بها يأتي رغم تحذير مؤسسات مالية عالمية كبرى من تحولها إلى فقاعة سعرية عنيفة قد تلحق أضراراً جسيمة بالمتعاملين بها والمضاربين عليها، وقد تتكرر الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في العم 2008 ولكن في ثوب جديد.
و"بيتكوين"، لمن لا يعرفها، هي عملة إلكترونية بدأ التعامل بها في عام 2008، وهذه العملة افتراضية ليس لها وجود مادي فعلي، أي لا تصدر في صورة بنكنوت أو أوراق نقدية عن وزارة المالية ولا تطبع لدى البنوك المركزية، ولا يمكن رصد حركتها في أسواق المال أو في النظام النقدي والقطاع المصرفي، كونها عملة رقمية، ويتم تداولها بين الأشخاص والمؤسسات عن طريق الإنترنت.
قد يقول كثير، مالنا ومال العملات الرقمية؟ هذا الأمر يهم شريحة قليلة جداً من المواطنين العرب، وبدلاً من أن تحدثنا في أمور فرعية حدثنا عن ارتفاع أسعار السلع والتضخم وزيادة تكلفة الحياة والمعيشة في معظم الدول العربية، حدثنا عن زيادة أسعار السجائر والأغذية والاتصالات في مصر، كلمنا عن قرار حكومة تونس الخاص بزيادة أسعار الوقود في بداية العام القادم عقب زيارة بعثة صندوق النقد الدولي، اُكتب عن سر موافقة البرلمان الجزائري على زيادة أسعار البنزين والسولار للعام الثالث في بلد يعد من أكبر الدول المنتجة للطاقة سواء كان النفط أو الغاز، وعن بلد تفرض حكومته ضرائب جديدة على المواطنين بعد أن تسببت سياساتها في ضياع نحو 100 مليار دولار من احتياطي الدولة من النقد الأجنبي، اُكتب عن اتجاه الحكومة الأردنية إلى إلغاء الدعم عن الخبز، وعن بعض السلع الضرورية الأخرى وعن قرارها الخاص بزيادة الضرائب.
وهذا الكلام صحيح، لكن ما إن تعلم عدة حقائق عن العملات الرقمية حتى تصاب بالذعر خوفاً على ثروات الناس ومدخراتهم المحدودة، فالأرقام مثلاً تقول، إن حجم تداولات عملة "بيتكوين" في منطقة الخليج يقدر بنحو 12 مليار دولار، وتتركز غالبيته في إمارة دبي بحسب تقرير حديث صادر عن شركة CryptoCorp الأميركية المتخصصة في تداول بيتكوين.
وعالمياً، قدر موقع "كوين ديسك"، الأميركي، المتخصص في رصد سعر العملات الرقمية، حجم التجارة في بيتكوين بأكثر من 90 مليار دولار، وهو ما يعني أنها أصبحت أكبر من أصول وموجودات العديد من الشركات الأميركية الكبرى التي تصنع مؤشرات الأسهم الأميركية.
والمثير أن أسواق المال والنقد العالمية باتت مهووسة هذه الأيام بالعملات الرقمية أو الافتراضية والتي زادت حدة المضاربات عليها من قبل أصحاب الثروات الكبيرة والصغيرة على حد سواء، وتزداد المضاربة على هذه العملات في ظل ضعف العوائد على العملات التقليدية وعدم تحقيق المستثمرين أرباحاً ضخمة من الاستثمار بها، كما تزداد في ظل بحث المضاربين عن الربح السريع حتى ولو كان به درجة عالية من المخاطر.
الأرقام مرعبة والقفزات التي شهدتها أسعار العملات الرقمية أكثر فزعاً، وعلى الرغم من التحذيرات المتكررة إلا أن الشباب العربي الباحثين عن الثراء السريع يواصل شراء العملات الرقمية وفي مقدمتها بيتكوين مخالفين القاعدة الشهيرة التي تقول "اشترِ وقت تراجع الأسعار ولا تشترِ والأسعار مرتفعة"، هذه قاعدة تنطبق على العديد من فرص الاستثمار وفي مقدمتها البورصة والعملات.
حذارِ من لعبة العملات الورقية، فقد تحولك لمليونير بين ليلة وضحاها، وقد تحولك إلى شخص مفلس في أقل من 24 ساعة.
– تم نشر هذه التدوينة في موقع العربي الجديد
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.