منذ أربع سنوات تعيش سيناء حالة حرب حقيقية بين الجيش والشرطة من جانب ومسلحي الدولة من جانب آخر، بدأت الأحداث عنيفة وأكثر عدداً؛ إذ بلغت في 2015 ما يزيد عن 500 عملية خلال العام، تراجعت في عام 2015 إلى حوالي 158 عملية، بمعنى تقريباً عملية كل يومين، واستمر التراجع في عام 2017، وإن كانت العمليات في 2017 اتسمت بالتركيز وإصابة أهداف عسكرية بشكل دقيق، وينتج عنها خسائر كبيرة في أفراد ومعدات الجيش والشرطة، ثم حدث تغير نوعي في قائمة أهداف الولاية في سبتمبر/أيلول باستهداف سيارات نقل ومعدات لمدنيين يتعاونون مع الجيش، مع تحذيرات مشددة من هذا التعاون، ثم حرق السيارات وترك السائقين، ثم في نوفمبر/تشرين الثاني حرق السيارات وقتل السائقين، مما فهم على أن المسلحين يبحثون عن نقاط ضعف من حيث حراستها وقدرتها على المواجهة، إلا أنها أكثر تأثيراً، وكل ذلك يمكن تفسيره وتبريره في إطار صراع الدولة مع المسلحين غير المعلوم النهاية، ولا حتى واضح الأهداف، إلا في إطار صراع العنف والعنف المضاد وتسجيل نقاط بأعداد القتلى من الطرفين، حتى جاءت عملية مسجد الروضة خارجة عن السياق تماماً؛ إذ إن المسلحين بداية من بيت المقدس، ومروراً بمبايعة الولاية حتى ظهور أتباع القاعدة لم يستبيحوا أرواح المدنيين ولا أموالهم إلا بذريعة التعاون مع الجيش في الإبلاغ عن تحركاتهم وأشخاصهم، أكثر من ذلك أن المساجد لم تكن أبداً جزءاً من أهدافهم، بل كان يستخدم قصف الجيش للمساجد وهدمها على أنه دليل على عدم احترام الجيش للمقدسات، وغالباً ما تتم المفاخرة بهذه التصرفات عند أهل المنطقة ومناصري الولاية.
فكان حادث الروضة خروجاً عن المألوف وعلى غير سابقة من عموم المسلحين في اعتبارات خلفياتهم الدينية؛ إذ ألمت احتمالية وجود مسلحين ذوي خلفيات غير دينية يتبعون أجهزة مخابرات أجنبية موجودة في سيناء وعليها دلائل.
لتكون جريمة قرية الروضة حدثاً استثنائياً في تاريخ مصر الحديث وغير مسبوق، من حيث عدد الشهداء، ومن حيث التوقيت، ومن حيث الاستهانة بحرمة المسجد؛ لينبلج صبح ليلة مظلمة على أربع جرائم كاملة:
الجريمة الأولى
قام بها إرهابيون قتلة استباحوا كل محرم وتجاوزوا حدود الأخلاق والمروءة والدين والإنسانية.
الجريمة الثانية
جريمة تقصير دولة تبعد معسكراتها التي تحارب ليل نهار الاٍرهاب المحتمل، أو تدعي ذلك، عن موقع الحدث مئات الأمتار ولا تقوم بأي دور! في واقعة بعدها الإنساني أكثر من البعد العسكري؛ إذ إن نجدة هؤلاء تفرضها كل الأعراف عسكرية وإنسانية ودينية قبل أن تكون دوراً وظيفياً منوطاً بها القيام به.
الجريمة الثالثة
حالة الاستهانة في إسعاف ونقل المرضى والجرحى حتى ترك الناس ينقلون الشهداء والمصابين في سيارات ربع نقل وفي التكاتك لمسافة تزيد عن ثلاثين كيلومتراً، مما أدى إلى وفاة العديد منهم أضف إلى ذلك خلو المستشفى ومخازنه من أساسيات الإسعافات الأولية، أكياس دم وقطن وشاش وأكسجين وخلافه، كل ذلك نفد مع أول عشر حالات، مما تطلب البحث عن ذلك في صيدليات المدينة، وما يترتب عليه من وقت.
الجريمة الرابعة
إذ خرج علينا اْبواق النظام يطالبون بترحيل أبناء سيناء حتى يستطيع الجيش مواجهة المسلحين ببساطة!
لتكون عقوبة جماعية أخرى قُتل مَن قُتل، ومن بقي حيّاً فليبدأ مرحلة التشرد دون مأوى بدون أي اعتبار لإنسانيته وحقه في حياة كريمة، ودون الالتفات إلى تقصير الدولة في أداء وظيفتها في الحفاظ على المجتمع وسلامته؛ لتجتمع على أبناء سيناء مصائب من كل جانب، وتصبح سيناء عند الدولة المصرية وإعلامها فقط خبر قتل أو اعتقال أو تدمير، وتغيب تماماً فكرة الدولة ومسؤوليتها عن سيناء وأهلها وآفاق التنمية والعمل على سلامة المجتمع، وإعطاؤه حقوقه وتمكينه من القيام بدوره.
هكذا ببساطة تبلغ المأساة قمتها ثم تختفي مع مواراة الثرى جثث الشهداء، فلا يسمع لها صوت حتى يأتي دور شهداء جدد وفاجعة جديدة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.