رسالة إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس

لا أدري إن كنتَ تدري ما أدري، أو كنتَ تشعر بما أشعرُ، أو كنت تعرف عن وضع الشعب مثلما أعرف، أو كنت تحزن على رجلٍ لم يجد قوت يومه، أو على طفلٍ ملّ من حقيبةٍ مدرسيةٍ يحملها منذ أن دخل المرحلة الابتدائية، وها هو الآن اقترب من مغادرتها، أو كنتَ تشعرُ بما يشعُر به شاب يريد أن يتزوجَ ولا يجدُ ما يعف به نفسه؟

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/28 الساعة 02:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/28 الساعة 02:59 بتوقيت غرينتش

رسالة إلى رئيس السلطة محمود عباس:

رسالةٌ من شابٍ مضى من عمرهِ 38 عاماً إلى عجوزٍ مضى من عمرهِ 83 عاماً، نصفُ تحيةٍ، وبعد:

لا أدري إن كنتَ تدري ما أدري، أو كنتَ تشعر بما أشعرُ، أو كنت تعرف عن وضع الشعب مثلما أعرف، أو كنت تحزن على رجلٍ لم يجد قوت يومه، أو على طفلٍ ملّ من حقيبةٍ مدرسيةٍ يحملها منذ أن دخل المرحلة الابتدائية، وها هو الآن اقترب من مغادرتها، أو كنتَ تشعرُ بما يشعُر به شاب يريد أن يتزوجَ ولا يجدُ ما يعف به نفسه؟

لكن الذي أدريه أن ثمة مسافاتٍ قلبية وروحية تفصلُ بيننا، رغم أن ما بيننا من مسافاتٍ جغرافيةٍ لا وزن لها في عرف المسافات الجغرافية كالتي بين مدينةٍ في شمالِ أميركا وأُختها في جنوبها، ورغم أنني وإياك نعيش في منطقة جغرافية لا يتطلب الوصول لأقصاها من أدناها إلا سويعات قليلة.

أشعر بأن الذي يجمعنا لم يعد له قيمة في حساباتك السياسية، فأنا لست ابنك البيولوجي ولا التنظيمي ولا الفكري، ولستُ مستعداً لأن أكون كذلك طالما أنك تخليت عن حقي في العودة إلى صرفند العمار التي حدثني عنها أبي كثيراً وعشقتها حتى الثمالة رغم أنني لم أرها، مثلما تخليتَ أنت عن حقك في العودة إلى صفد، ولا أدري إن كان من الشهامة أن تتنازل عن حقك لمن اغتصب حقك؟

أكتب لك هذه الرسالة بلسانِ الإنسان المحاصر في غزة، الذي تطعنه يومياً بسيف المؤامرات التي تنسجها أنت (ويستحيي من نسجها إبليس)، وهو يرى في وجهك السعادة وأنت تنظر إلى أبناء شعبك وهم يموتون من جراء الحصار الذي تشارك فيه أنت بلا رحمة أو أخلاق، وتفاخرت بأنك حرضت على إغلاق شرايين الحياة القادمة لغزة من مصر، فلا عمل ولا معامل، لا ماء نظيف ولا هواء ولا دواء ولا كهرباء، لا معابر مفتوحة، وأنت تقف سداً منيعاً في وجهِ كل محاولات رفع الحصار أو تخفيفه، بحجة أن غزة (التي تمنت أن تزورها ولو لمدة ساعة في أوقات الحرب التي قتلت الآلاف، لكنك تركتها وذهبتَ إلى باريس بسبب قتل شخصٍ واحدٍ)؛ لأنها "ليست في بيت الطاعة" .

أكتب لك بلسان أهل الضفة المحتلة التي تركتَ عدونا يستبيح فيها الدماء، يعتقل من يريد، ويقتل من يشاء، يجرف الأرض وقبور الأنبياء والأولياء والشهداء، يقتلع أشجار الزيتون رمز العزة والإباء، دون أن تتحرك فيك شهوة الثأر لهم، رغم أن ذكورك (لا أقول رجالك) على بعد أمتار من المستوطنين الذين يعيثون في الأرض فساداً.

أكتب لك بلسانِ اللاجئين في كل مكان، والذين أسكنتهم في ذيل اهتماماتك، ذهبتَ إلى لبنان فلم تزر المخيمات هناك، بل زرت أرباب الميوعة والغناء، قبلتهم وقبلتها وهتفت لك أحلام هناك: عاش الرئيس معشوق النساء.

أكتب لأذكرك، ولا أظنك قد نسيت، بأنك نسيت الأسرى في قبضة الأعداء، والجرحى نسيتهم، ولم تنتقم لدماء الشهداء، ولا رق قلبك لأوجاع الأرامل واليتامى والنساء، ولا خفق قلبك لمناظر الأطفال الأبرياء.

أكتب لك لأقول:

أخجلتنا ووضعت رأسنا في التراب حين بعت أرضنا للصهاينة مقابل متاع زائل، وقدست التنسيق الأمني القذر، وقدمت رأس مقاومينا إلى عدونا على طبقٍ من ذهب، وتبتسم لهم وتقول: (أملي أن ترضى عني) ونسيت قول الله عز وجل: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) أنسيت؟ ألم يخبرك مفتيك المفدى، ورئيس الكهنة في كنيسة المقاطعة محمود الهباش بأن بيع الوطن حرام شرعاً، أم أنه ينتقي ما يليق بتقديسك ويبتعد عما يدينك؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد