مَن الذي وقف على باب المسجد وشدّ أجزاء سلاحه وقام بتفريغ رصاصاته في أجساد أكثر من 500 إنسان يصلّون لربهم؟ مَن الذي تجرأ على انتهاك حرمة هذا المكان المقدس؟ أيعقل أن يكون مسلماً؟ أيعقل أن يكون إنساناً في الأساس؟ هل من المفترض أن نصدق الأساطير التي تتكلم عن تجسد الشياطين في شكل بني آدم لكي يرتكبوا أسوأ الشرور؟
عقلي يُخيل إليّ أن الشياطين لم تتحمل صلوات الضحايا وذكرهم لله، فقاموا بحمل السلاح ليسكتوهم، أعلم أنك تظنني أخرف من وقع الكارثة، ولكن قُل لي مَن منا من الممكن ألا يخرف، وهو يرى بني جلدته يذبحون كالنعاج أمام عينيه، ولا يملك لهم شيئاً إلا بعض الدموع، وبعض الكلمات التي لن ترجع مَن مات غدراً، ولن تحمي من ظل حياً، ولكن ماذا قد أملك إلا أن أخمن وأحلل مَن الذي يملك هذا الحقد على بني جلدتي وأبناء ديني ليقتلهم هذه القتلة البشعة.
لو تخيلت نفسك مكان واحد ممن كانوا بمسجد الروضة أثناء المجزرة، ستعرف هول اللحظة التي أحاول وصفها، لقد استيقظ في الصباح، واغتسل غسل الجمعة، ثم لبس جلبابه الأبيض، وتوجه وهو يصطحب ابنه الصغير الذي لم يجاوز عامه السادس إلى المسجد، استمع إلى آيات الذكر الحكيم، أذن الأذان، وصعد الخطيب إلى المنبر، وما إن بدأ في خطبته حتى انقلبت باحة المسجد إلى ساحة حرب، بل إلى حمام دم، انهمرت عليه الطلقات من كل حدب وصوب، لم يجد ما يحمي به ابنه إلا هو، فتكور عليه علّه يقيه هذا السيل الجارف من الرصاصات العمياء، والولد في حالة من الذهول، ولكنه لا يستطيع التسرية عنه فهو مشغول بروحه التي تغادر جسمه بسرعة، مهموم بمعرفة مصير فلذة كبده الذي لا يعرف ماذا سيفعل به بعد أن يغيب عن الوعي، بل عن هذه الدنيا، بات محتاراً هل يتمنى لابنه البقاء في هذا الوطن الذي أصبح كل شيء مستباحاً فيه، حتى المصلون، أم من الأفضل له أن يستريح الآن؟
هل تخيلت معنى أن تحاصر من كل اتجاه بدون أن تعطى فرصة الدفاع عن نفسك أو عمّن هم منك؟ هل تخيل عقلك مهما فكر أن مصرنا التي تملأ شوارعها وأزقتها آية "ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ " والتي لقّبوها قديماً بالمحروسة ستصل إلى هذا الدرك من الانحطاط والاستهانة بروح الإنسان؟ من الذي بدأ حمام الدم هذا؟ مَن المستفيد من إراقة كل هذا المقدار من الدماء وبهذه الطريقة البشعة؟
عندما قرأت الأخبار التي تحدثت عن حادث مسجد الروضة وسمعت شهادة الناجين، الذين يروون مشاعرهم في اللحظات التي أحاط بهم الموت فيها من كل جانب، تذكرت الحملة الصليبية الأولى، والروايات التي تتحدث عما فعله الصليبيون في أهل القدس، وكيفية استباحتهم للمسجد الأقصى، وحمام الدم الذي صنعوه في المدينة المقدسة، والتي خاضوا في دم ضحاياهم فيها حتى بلغت الدماء رُكب خيولهم، أدركت وقتها أننا أمام نفس العدو وإن اختلف اللسان والزي، وحتى إن تظاهر أنه من نفس دينك، فالأسلوب واحد، والسادية واحدة، والقوة الغاشمة التي تحركه لم تتغير.
تخيلت عندها أن وطننا كله عبارة عن مسجد الروضة، وأننا محاصرون فيه كحصار أهل هذا المسجد المكلوم، وأن أعداءنا قد تداعوا علينا، واحتشدوا على نوافذ وطننا وشبابيك عقيدتنا، وأخذوا يطلقون علينا النيران بكل ما أوتوا من قوة ومهارة دون أن يرمش لهم جفن، جميع أبناء وطني أصبحوا معرضين لنيران القوة الغاشمة التي طالت مسجد الروضة، وللأسف الشديد فبعض أبناء وطني يركضون نحو مصدر النيران ظناً منهم أن مطلِق النار هو مَن سيحميهم، فكانوا كالمستغيث من الرمضاء بالنار، وصدقوني فنحن لن نستطيع أن نرد هذه القوة الغاشمة إلا إذا استطعنا أن نعرف الجميع مصدرها، عندها وعندها فقط سيتدرّع وطننا ضد أصحاب القوة الغاشمة ونيرانهم الظالمة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.