تساؤلات مشروعة
سؤال راود نفسي مراراً وتكراراً، حاولت الهروب منه فى كل مرة، ولكنه ما يلبث أن يعود بعد برهة قصيرة، والسؤال هو: هل سيكون جاستن ترودو رئيس وزراء كندا الشاب الإنسان في مواقفه هو نجاشي العصر الحديث أم أنه أصبح بالفعل تلك الشخصية التي ينظر إليها جميع المسلمين بكثير من الاحترام والتقدير والإجلال؛ لما اتسمت به هذه الشخصية من سمات مميزة للحاكم العادل الذي لا يظلم عنده أحد، ولكي نعرف ويعرف الجميع القصه كامله، تعالوا نقلب صفحات الماضي؛ لكي نتذكر الأحداث، وكيف ولماذا أوصى الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم أتباعه من المؤمنين أن يهاجروا إلى الحبشة إلى بلاد بعيدة لكي ينجو بهم من طغيان الجاهلية ومن كبر المستكبرين، ومن بلاد لا تعرف إلا أن تسيد الأسياد وأن يقتنوا الجواري والعبيد.
صورة من حال المسلمين في مكة قبل هجرة المسلمين
لقد استمرت قريش في تعذيب كل من يدخل في دين الإسلام ممن لم يكن لهم عشيرة تمنعهم، اضطر كثير من المسلمين إلى إخفاء إيمانه وأداء الصلاة بشكل خفي، خشية من أن يكتشف أمره، فينكل به، لم يستطع الكثير البوح بما في صدره إلى الآخرين عن إسلامه وإيمانه بالله الإله الحق، وترك عبادة الأصنام خشية أن يوشي به أحد، فيناله من العقاب و العذاب ما لم تره عين أو يخطر على قلب بشر.
وكان الاستمرار في هذا الوضع غير ممكن، فقد كان وأصبح لا بد لهؤلاء المعذبين من العثور على موضع أمل لهم، يساعدهم على تحمل المشاق، ومواجهة الصعاب، ويجعلهم أقدر على مقاومة الضغوط التي يتعرضون لها من قبل ثلة من أناس رفضوا أن يعترفوا بألوهية وحاكمية فوق ألوهيتهم وحاكميتهم، وآثروا الاستكبار والعناد على الرضا بأن يعبدوا إلهاً واحداً أحداً فرداً صمداً لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، وهذه الأحداث كأنها تعيد نفسها اليوم في بلادنا، فقد منع الكثير من التعبير عن رأيه، وأغلقت المنافذ الإعلامية، كالقنوات الفضائية الوسطية المعبرة عن التيار الإسلامي الوسطي المعتدل وصودرت الصحف ومنعت الأحزاب السياسية، إلا التي تعبر وتمشي بركاب الحاكم الفرد، والتي تسبح بحمده آناء الليل وأطراف النهار، منعت السياسة بالجامعات، بل وصل الأمر إلى أنه في جامعات مثل جامعة القاهرة هدموا بعض أماكن الصلاة؛ لأنهم كما قالوا منبع لنشر الفكر المتطرف والتحزب، وجعلوا مكاناً واحداً جامعاً للصلاة به إمام من الأئمة المرضي عنهم ويغلق المكان عقب الصلاة.
فهل عدنا لعصر الجاهلية؟ وهل بات على كل من قمعوا وكُممت أفواههم ومن اعتقلوا بغير ذنب أو أصيبوا من جراء استخدام السلطة لأسلحة ألحقت الأذى بهم، فتركت آثارها على أجسادهم أو من اعتقلوا بالسنوات خلف القضبان فضاعت زهرة شبابهم فى الزنازين المظلمة.. هل على كل هؤلاء البحث عن أرض آمنة تؤويهم ويستطيعون أن يعيشوا فيها بحرية وأمان؟ وهل لو كان الحبيب المصطفى بيننا الآن.. هل كان سيقول لكل هؤلاء المعذبين عليكم بكندا.. اذهبوا إلى جاستن ترودو.. إلى حاكم لا يظلم عنده أحد فإنه يحسن الجوار؟!
البلاد المتاحة للهجرة وسر اختيار الحبشة
لقد كان لقريش نفوذ في بلاد الروم والشام، لما كان لها من علاقات تجارية واقتصادية معها، فالهجرة إلى هذه البلاد إذن سوف تسهل على قريش استرجاع المهاجرين، أو على الأقل إلحاق الأذى بهم، ولا سيما إذا كان ملوك تلك البلاد لا يلتزمون بأي من الأصول الأخلاقية والإنسانية، ولم يكن لديهم مانع من ممارسة أي نوع من أنواع الظلم والجور، وعلى الأخص بالنسبة لمن ينتسب إلى دعوة يرون أنها تضر بمصالحهم الشخصية، وتهدد كيانهم وجبروتهم.
وأما بلاد اليمن، وبعض المناطق العربية والقبلية الأخرى فقد كانت تحت نفوذ النظام الفارسي المتجبر والظالم.
ويظهر لنا أن الالتجاء إلى كسرى لا يقل خطراً عن الالتجاء إلى بلاد الروم، خصوصاً إذا رأى: أن هذا العربي ـ وهو بطبعه كان يحتقر العرب، ولا يرى لهم حرمة، ولا شأناً يذكرـ لسوف يخرج في منطقة قريبة من بلاده، وقد تسري دعوته إلى بلاده نفسها، ويؤثر ذلك على الامتيازات الظالمة التي يجعلها لنفسه فيخاف من ذلك.
الحبيب المصطفى وقع اختياره على الحبشة وذلك للعديد من الأسباب
منها ما ذكره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد، وأيضاً فهي البعيدة عن النفوذ الفارسي والرومي والقريشي، والتي لا يمكن لقريش أن تصل إليها على ظهر جواد أو راحلة، وإنما بالسفن عبر البحار، ولم تكن قريش تعرف حرب السفن، فاختار الرسول هذه البلاد بالذات لتكون أرضاً لهجرة المسلمين، الذين لا يزالون ضعافاً أمام قوة قريش وجبروتها.
ثم إننا نستفيد من قوله عن أرض الحبشة: إنها أرض صدق، وعليه نبني أن من أراد أن يهجر بلاد الظلم والجبروت يجب أن يختار بلداً يتمتع فيه بالأمان، وإلا كان التسليم لبلده عبر الاتفاقيات الأمنية مصيراً أسود ينتظره، فلا يدري أي جب سيلقى به، وعلى يد أي ضابط أمن دولة سيعذب، فيمكن أن تقتلع أظفاره أو أن يسلخ جلده أو أن يكهرب في مناطقه الحساسة، أو أن تختفي معالم وجهه وجسده تحت التعذيب البشع والرهيب الذي استوردوا له كل أدواته ووسائله، وتفننوا وأبدعوا فيه، فكأنهم زبانية جهنم قد حضروا قبل يوم البعث والنشور.
ولكل ذلك نرجع فنقول لماذا الحبشة تلك البلاد البعيدة عن الوطن؟ ولكنها مثلت في الوقت نفسه الحضن الآمن والملجأ الدافئ الذي سيحتضن المعذبين والمقهورين، وبالمقابل هل تكون كندا وجاستن ترودو وشعب كندا الذي به من الصفات النبيلة تلك، ففيها شعب يعيش على الفطرة، ويتعامل بالصدق والصفاء، وربما كان الناس في تلك البلاد أقرب من غيرهم إلى الالتزام بما تبقى من معاني الإنسانية والتحضر والرقي، فيمكن لهؤلاء الثلة من اللاجئين المهاجرين أن يعيشوا مع الناس بكندا، خاصة بعد الخطة الطموحة التي أعلنت منذ أيام عن استقبال كندا لمليون مهاجر، من بينهم حصة كبيرة للاجئين، وأن يتعاملوا ويتعايشوا معهم، بعيداً حتى عن تلك البلدان العربية الخليجية التي رفضت أن تستقبل أياً من اللاجئين العرب، بل منعت بعض البلاد من إعطاء أو إصدار فيزا أساساً لمواطني سوريا والعراق، بل إن بلداً عربياً أصدر قراراً بين عشية وضحاها بترحيل مئات الأسر السورية وأعطاهم فقط مهلة 24 ساعة للرحيل عن أراضيه.
يبقى أخيراً التساؤل مشروعاً والسؤال مطروحاً، ولكل واحد منا أن يحكم ضميره وعقله، ويجيب من قرارة نفسه عن السؤال: هل فعلاً أصبح جاستن ترودو عن حق وباقتدار هو نجاشي العصر؟ وهل لو عاصره الحبيب المصطفى كان سيقول عنه مقولته عن الملك النجاشي ذاتها؟
عن نفسي أنا أؤمن بذلك وأصدقه، ويبقى على كل من قرأ تلك الكلمات أن يجيب بما يمليه عليه ضميره الإنساني.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.