سأعود بعد ثلاثين سنة

مالك بن نبي، المجهول في عصره، الحاضر بيننا اليوم بكلماته، استطاع أن يضع يده على جرح أمَّتنا الغائر، ونكباتنا المتوالية.

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/12 الساعة 03:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/12 الساعة 03:39 بتوقيت غرينتش

ظلَّ يكتب كمن ينزف، كأنَّه كان يكتب بدم قلبه، أزعجه حال أمَّته المتردّي، فحاول جاهداً أن يُشعل شمعة بدلاً من لعن الظلام.

مالك بن نبي، المجهول في عصره، الحاضر بيننا اليوم بكلماته، استطاع أن يضع يده على جرح أمَّتنا الغائر، ونكباتنا المتوالية.

كتب الفيلسوف مالك بن نبي في مشكلات الحضارة، وقابلية الاستعمار، وقف بن نبي حياته للإصلاح، وبذل جهداً كبيراً لفهم مقومات الحضارة الغربية باعتباره عاش في فرنسا، غير أنّ قدمَه ظلّت ثابتة في صحراء الثقافة العربية والتاريخ الإسلامي.

"إن المشروع الإصلاحي يبدأ بتغيير الإنسان، فالإنسان هو الهدف ونقطة البدء في التغيير والبناء"، كانت هذه من بذور النهضة التي ناضل لأجلها، حيث سعى لإعادة دور وفاعلية الإنسان.

كلّما أقرأ عن هذه الشخصية الفذّة ينتابني شعور غريب ممزوج بالحزن والغصة؛ ربما لأنّ هذا الرجل لم يأخذ حقه في زمانه، ولكنّي في المقابل كنت متأكداً أنّ هذا الرجل رحل بعد أن أنهى مهمته في هذه الدنيا وأوصل رسالته التي طالما جاهد لأجلها، ثم حطَّ رحاله في ضيافة أرحم الراحمين.

كان يدرك أنّ أفكاره سَتُفَعَّلُ في يوم ما، فالجيوش ربّما تُهزم ولكنّ الأفكار لا تُهزم، فمالك بن نبي كان يرى منذ بداية إنتاجه الفكري أنّ العالم يتجه نحو التكتل وأنّ على الإسلام أن يوجد أو يعيد دوره الحقيقي، ألا وهو الدور الاجتماعي الإنساني، فليست القضية -كما كان يقول- أن نُقاطع الحضارة الغربية التي تمثل إرثاً إنسانيّاً هائلاً وإنّما هي قضية تحديد وتنظيم هذه العلاقة مع تلك الحضارة.

لست اليوم بصدد الحديث عن فكر مالك بن نبي، فهذا شرف لا أدّعيه، ولكن وجدت نفسي مضطراً إلى هذه المقدّمة. إنّ أكثر ما شدَّ ذهني، وألهبَ مشاعري، هو يقين مالك بن نبي بأنّ أفكاره كانت سابقة لزمانه، كان يعرف أنّ المطلوب منه فقط أن ينثر البذور، أمّا الحصاد فهو قادم في مشهد من الرضا والقبول.

لمّا كان -رحمه اللّه- على فراش الموت، قال لزوجته: "سأعود بعد ثلاثين سنة"، هذه الكلمات الملهمة اخترقت حجُب قلبي واستقرت فيه؛ لأنّها فلسفة عميقة نحتاجها اليوم، لا سيَّما فئة الشباب، كأنّ بن نبي يقول لنا: افعل ما أنت مقتنع به وإيّاك أن تتسرع، فالأمور تتجلى وتتضح للإنسان الذي لا يتسرع، فالتسرع أعمى.

هو يقول لنا: لا تغرّنكم الشّهرة المزيفة ومشايخ اللايكات والتويتر، هذه الشهرة زائلة ولن تثبت، فهي زَبَد على شاطئ بحر متلاطم الأمواج، هو يقول لنا: كل شيء يتطلب وقتاً والعجلة تقتله أحياناً؛ لذلك لا تتعجّل، هو يقول لنا: أخلص دينك يكفك القليل من العمل، ولكنّ المهم لا تتوقف عن العمل.

ختاماً، مالك بن نبي عاد، فمتى سنعود نحن؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد