إن الفرق بين الحلم المشروع والخيال الخادع، هو خيط رفيع متين، يسمى "الإنجاز".
إن للإنجاز قواعد لا يفهمها إلا قلة من الناس، وهم الذين يدعوهم المجتمع بـ"المحظوظين"، بل إن الإنجاز هو الذي يحول وصفنا من حمقى حالمين إلى عباقرة مبتكرين!
إننا نحلم كثيراً، وفوق طاقتنا أحياناً، ولربما يتملكنا شعور غامر بالرضا والمتعة لمجرد أن نفكر في حلم مستقبلي بعيد..نتمنى تحقيقه ولو بعد حين، ولا نشعر بالقلق أو الاضطراب حياله؛ لأنه سيبقى بعيداً وجميلاً، مهما مر من السنين، ومهما اقتربنا من نهاية آجالنا!
العودة إلى الوطن، اجتماع شمل..تحقيق نجاح علمي بارز، إنجاز مشروع لنهضة في مجال معين، تأسيس شركة عالمية ضخمة، الفوز باستحقاقات سياسية، وربما حتى تغيير العالم!
عندما يتعلق الحلم بوسائل الواقع يصبح أيسر للتطبيق، وأوجه للتحقيق، ولكنه عندما يستند إلى خيالات مشوشة يتحول إلى أضغاث يقظة تذهب الفطنة، وتهوي بالنفس إلى مستنقع مشؤوم من الصراعات النفسية التي ترهق الأعصاب، ولا يجني منها صاحبها سوى السراب.
إن الحلم لا يقاس بحجمه، صعباً كان أو هيناً، قصير الأمد أم طويله، إنما يقاس بإرادة الحالم على بلوغ مرامه، ومن ثم بذل جهده وتركيزه على أثره.
تخيل ما شئت الآن من أحلامك المعتادة، تخير أكبرها أولوية عندك، واستجمع قواك لتتصور نفسك في موضع ما من ذلك الحلم، إذا استطعت أن تمنح لنفسك مكاناً هنالك، فإن ذلك أولى قواعد صناعة الأحلام: أن تحدد مكانك الواضح الحقيقي من حلمك، بحيث تبدو صورتك فيه مكتملة الأركان، بينة الحدود، فإذا سئلت عن ذلك، لم تتردد في الإجابة بوضوح وثقة، وتلك أولى خطوات النجاح.
ثم إن القاعدة الثانية هي أن تسقط حلمك على الواقع دون أن تسلب منه إمكانيات تحقيقه، إن ما يجعلنا مؤمنين بأهدافنا هو -في الحقيقة- إيماننا بتجسيدها، لكن معظمنا لا يتقن مهارة الإسقاط على الواقع، فيسحب من حلمه جماله وفكرته، ويظل يقضم من أطرافه حتى يصل إلى لبه، فيمسي الحلم قزماً مهشماً! إذا تحقق بعضه لم يكتمل كل، وذلك مربط الفرس: لا تتنازل عما يميز حلمك متعللاً بالظروف والأحداث والأعراف الاجتماعية أو النفسية، فما دام ذلك ممكناً ومشروعاً، فلن يكون هنالك حاجز مستحيل إلا ما تضعه أنت في طريقك!
ولعل أهم أسباب رمينا لآمالنا في مقبرة الأحلام، هو استسلامنا عند أول عائق واقعي يصادفنا، إن ذلك الجبن الذي ندعوه واقعية سلبنا الكثير من الطموح والجد في الحياة، وفرغنا كأعجاز نخل خاوية من كل رغبة في الوصول إلى أقصى نقاط تفوقنا على ذواتنا.
وإنما يعني الإسقاط أن تنظف الحلم من كل ما يشوبه من العلائق التي تثقله ولا تحسنه، وتستمر بالمقابل في الحفاظ على جوهره الذي يميزه، بل إن الإسقاط على الواقع يتطلب منا أن نكمل الأجزاء الناقصة من رؤيتنا لما نريد إنجازه، فإن الخيال وإن اتسع قاصر، وقصوره يكمن في مثاليته.
أصقل حلمك وهذبه.. لكن لا تقتله!
ولا يكفي إيجاد موقع إعرابك من حلمك، ولا إسقاطه بمهارة على الحقيقة، بل إن قاعدة أخرى تكاد تجعل كل ذلك ممكناً بعد توفيق الله، وهي: أن تضع الخطوة الأولى على الطريق.. إن الخطة هي الخطوة الوثابة الدافعة للمضي بأقدام ثابتة ونفس مطمئنة، بل إن حلماً من غير تخطيط لا يعدو أن يكون وهماً أعرج، تختصره نفسك في جملة واحدة مكررة ومشهورة: "لماذا لا ينجح معي شيء؟!".
ابدأ أولاً بإجمال الخطة ثم تفصيلها، إياك أن تضع تفاصيل الخطة قبل أن تخرج بها إلى شارع الحقيقة، لا بأس بأن تمر ببعض الكبوات المزعجة في البداية، تلك الكبوات نعمة عظيمة تجعل تفاصيل خطتك أكثر مصداقية وأمانة ودقة، لو أنك أحسنت استغلالها.
ثم إنك بحاجة إلى المشاكل! نعم.. المشاكل الكثيرة التي لا تنتهي والتي تزداد بمحاولة حلها كل مرة نضجاً ورسوخاً، فإذا تعلمت مهارة إدارة العوائق والمصاعب، صارت كل مشكلة تحدياً ممتعاً لذكائك، وتدريباً منهجياً لتفكيرك.
إن مثل هذا المستوى من التأهيل النفسي والعقلي لتحقيق الغايات هو ما نطلبه، وهو ما انفرد به العظماء والعباقرة على مر العصور.. أن تواجه المصاعب بابتسامة ثقة بأن حلمك سينتصر برغم أنف كل ما يعيقه.. بإذن الله.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.