كيف فاقم التدخل الفرنسي مأساة المسلمين في إفريقيا الوسطى؟

خريف 2017، جثث ملقاة على قارعة الطريق بعضها تفحّم، والبعض فيه بقية من ملامح أصحابها، وأخرى هنا داخل بقايا مسجد مهدم فيه بقايا جثامين تقطعت إلى أجزاء، وتظهر عليها بوضوح بصمات حركة "أنتي بالاكا" - مناهضو السواطير - المسيحية، ففي قرية "بومبولو" قرب مدينة ديمبي

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/09 الساعة 08:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/09 الساعة 08:20 بتوقيت غرينتش

خريف 2017، جثث ملقاة على قارعة الطريق بعضها تفحّم، والبعض فيه بقية من ملامح أصحابها، وأخرى هنا داخل بقايا مسجد مهدم فيه بقايا جثامين تقطعت إلى أجزاء، وتظهر عليها بوضوح بصمات حركة "أنتي بالاكا" – مناهضو السواطير – المسيحية، ففي قرية "بومبولو" قرب مدينة ديمبي، في يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول، وبعيداً عن العاصمة وفي غياب تام لقوات الحماية الدولية، قُتل حوالي 150 مسلماً دفعة واحدة.

وفي ذات الشهر وقبل هجوم بومبولو بأيام قليلة، كان المسجد الكبير في بلدة كيمبي بمحافظة (باس كوتو) وأثناء صلاة الفجر على موعد مع مذبحة جديدة على أسنة سواطير "أنتي بالاكا"؛ إذ تم ذبح نحو 25 مسلماً داخل المسجد، فصول مأساة دموية جديدة تطل برأسها على واقع المسلمين في إفريقيا الوسطى بعد أن هموا بالتقاط أنفاسهم خلال عام 2016 الذي شهد هدوءاً ملحوظاً، بعد عامين من القتل والتهجير.

في مدن كثيرة مثل (بنقاسو، زميو، بريا) تحولت أحياء كاملة للمسلمين إلى أثر بعد عين، بعد أن كانت تضج الحياة، وإن كانت العاصمة تشهد هدوءاً حذراً بعد تدمير عدد من الأحياء التي كان يسكنها مسلمون، فما الذي يحدث؟ ولماذا؟ وما هي جذور هذا الصراع؟

نحاول أن نروي لك القصة من أول سطر فيها، جمهورية أفريقيا الوسطى تقع في قلب القارة السمراء، تحدها تشاد من الشمال، والسودان من الشمال الشرقي، وجنوب السودان شرقاً، وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية الكونغو في الجنوب والكاميرون غرباً، وتبلغ مساحتها 620 ألف كيلومتر مربع، ويقدر عدد سكانها بحوالي 4.5 مليون نسمة، وعاصمتها بانجي.

المسلمون في إفريقيا الوسطى

وفق التقارير الرسمية، نسبة المسلمين تتراوح من 15 إلى 17%، بينما تقديرات المسلمين أنفسهم تقول: إن نسبتهم من 20 إلى 25%، من إجمالي عدد السكان البالغ حوالي 4.5 مليون نسمة، وتتركز النسبة الأكبر منهم في الشمال والشمال الشرقي، وعدد كبير أيضاً في العاصمة بانجي، بينما نسبة المسيحيين حوالي 50%، وباقي السكان يعتنقون ديانات محلية ووثنية.

الاستعمار الفرنسي

إفريقيا الوسطى كانت مستعمرة فرنسية من عام 1889 حتى عام 1959، ورغم الاستقلال فإن نفوذ فرنسا لا يزال له وجود كبير هنا كما هو الحال في تعامل فرنسا مع أغلب البلدان التي كانت مستعمرات لها.

تاريخ حافل بالانقلابات

بعد الاستقلال عن فرنسا تولّى رئاسة الدولة "ديفد داكو" في الفترة من 1959 إلى 1966، بمساعدة الفرنسيين، ثم وقع أول انقلاب بقيادة "جان بيدل بوكاسا" الذي حكم في الفترة من 1966 إلى 1979، وحول الدولة من جمهورية إلى ملكية ونصّب نفسه إمبراطوراً عليها، في ديسمبر/كانون الأول 1976، لكن في 20 سبتمبر/أيلول 1979، أعيد "ديفيد داكو" للسلطة مرة أخرى بانقلاب فرنسي (1979-1981)، ثم انقلاب عسكري ثالث جاء بـ"أندريه كولينجبا" على رأس السلطة "1981-1993″، ثم تولى الرئاسة "أنجي فيليكس باتاسيه" (1993-2003)، والانقلاب الرابع قاده "فرانسوا بوزيزيه" (2003-2013)، الذي تولى السلطة لعامين على أن لا يترشح في الانتخابات الجديدة، لكنه بالمخالفة لكل التعهدات خاض انتخابات 2005، وانتخابات 2011 بدعم وتأييد فرنسي، ثم قادت حركة "سيليكا" الانقلاب الخامس في البلاد منذ الاستقلال عن فرنسا، وأطاحت بحكم "بوزيزيه" في مارس/آذار 2013.

حركة سيليكا

القصة هنا تعود إلى الانقلاب الرابع الذي قاده "بوزيزيه" على "باتاسيه" في منتصف مايو/أيار 2003، حيث استعان بوزيزيه بمرتزقة من كافة الانتماءات القبلية والدينية من بينهم مسلمون، مقابل استحقاقات سياسية واقتصادية، حال تمكنه من السلطة.

لكنه "بوزيزيه" تنصل لاحقاً من تعهداته لمن ساعدوه، ما تسبب في وقوع الخلافات بين الطرفين، وكي تجنب حكومة "بوزيزيه" نفسها معارضة هؤلاء، ومطالبات التنمية لا سيما بمناطق المسلمين، اتبعت سياسة إثارة الفتنة بين القبائل.

من بين القبائل (رونغا، قولا) ما تسبب في اشتعال صراع بينهما أودى بحياة عشرات الآلاف، قبل أن تتوصلا إلى اتفاق مشترك وتكوين جبهات ثورية بالاشتراك مع قبائل أخرى، ومن هنا فتحت أبواب المواجهة بين جيش بوزيزيه وهذه الجبهات.

لاحقاً لم يصمد كثيراً اتفاق السلام الذي وقعته الحكومة مع إحدى هذه المجموعات بسبب تنصل الحكومة كالعادة، فلجأت سلطات بوزيزيه إلى إشعال فتيل الطائفية ما ساهم في وقوع أحداث طائفية تمثلت في استهداف المسلمين المدنيين وأودت بحياة العشرات منهم، منها أحداث 2010.

وبدأت تتسع مناطق الصراع، فتدخلت قوات إفريقية بقرار مشترك بين الاتحاد الإفريقي واتحاد دول وسط إفريقيا "سيماك"، وتمركزت هذه القوات "فوماك" بالعاصمة بانجي، في أواخر 2012، ومع اتساع رقعة الغضب الشعبي، بدأت القوات التشادية التي كانت تحمي القصر الجمهوري بالعاصمة في الانسحاب وفتح الطريق أمام المعارضة، وهي الإشارة التي التقطتها المعارضة وتحركت فعلاً باتجاه العاصمة، لكن الطرف التشادي ومن ورائه فرنسا أوقفتهم قبيل العاصمة، لحين مساومة "بوزيزيه".

واتفق على إعطاء "بوزيزيه" مهلة وعقد مؤتمر في يناير/كانون الثاني 2013 بالجابون، كان تحت اسم "مؤتمر ليبرافيل"، ومنح بعض الحقوق للمسلمين، وتشكيل حكومة برئاسة المحامي المعارض "نيكولا تشانغاي" تمارس مهامها لمدة عام، وتعيين وزير دفاع من المعارضة المسلحة، يتم بعد ذلك انتخاب برلمان يشرف على انتخابات رئاسية تجرى لاحقاً ولا يترشح فيها "بوزيزيه".

غير أن الحكومة لم تنفذ أياً من بنود اتفاق "ليبرافيل"، سواء سياسية عامة أو حقوقية للمسلمين، ما فتح الباب مجدداً للصراع، ومن هنا تكونت حركة "سيليكا"، وهي عبارة عن تحالف مكون من 4 حركات، ثلاث منها يقودها مسلمون والرابعة بقيادة مسيحي، حوالي 70% منهم مسلمون.

وبشكل غير مباشر وبإيعاز فرنسي، تم فتح الباب لقوات سيليكا للتقدم إلى العاصمة وعمل انقلاب خامس بالبلاد، – لفتح الباب أمام الصراع الطائفي – استولت "سيليكا" على السلطة في مارس 2013، وأطاحت بـ"بوزيزيه"، ورفعت أول رئيس مسلم على رأس السلطة، هو "ميشال دجوتوديا" والذي كان يحمل اسم "محمد ضحية" (أحياناً كان يُحرم من يحمل اسماً مسلماً من دخول المدرسة فاضطرت أسرة "ضحية" لتغيير اسمه إلى "ميشال دجوتوديا") تم تنصيبه رئيساً انتقالياً في 18 أغسطس/آب 2013، وشُكلت حكومة مؤقتة من 28 وزيراًً، أسند فيها للمسلمين لأول مرة 14 حقيبة وزارية.

في 13 سبتمبر/أيلول 2013 قرر "الرئيس دجوتوديا" حل قوات "سيليكا"، ودمج بعض مقاتليها في الجيش الوطني، إلا أن مجموعات ليست بالقليلة من عناصرها ظلت محتفظة بسلاحها.

في المقابل كان الموقف الغربي رافضاً لتمكين المسلمين، وعملت وسائل الإعلام على شيطنة "سيليكا" وادعاء أنها تضم مجموعات متطرفة من بعض دول الجوار، وأن هناك تطهيراً عرقياً يستهدف المسيحيين، ما ساهم في صناعة تعبئة مضادة للمسلمين العزل، عزز ذلك أيضاً ميل القوات الفرنسية لاستهداف المسلمين ومناطقهم وتجريد "سيليكا" من سلاحها، – وإن كانت ممارسات سيليكا لا تخلو من تجاوزات فعلية – هنا بدأ الترتيب لقطع الطريق على المسلمين، بينما كان مسلحو "أنتي بالاكا" مستمرين في عمليات القتل والتطهير الممنهجين ضد المسلمين.

إعادة الغزو الفرنسي

في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 بدأت فرنسا عملية عسكرية في إفريقيا الوسطى، تحت اسم "سانغاريس" بدعوى إرساء الأمن، مستفيدة من قرار مجلس الأمن الذي نص على التدخل العسكري الدولي في إفريقيا الوسطى، باتخاذ التدابير اللازمة لمساندة القوات الإفريقية الموجودة فيها "فوماك"، – بعد التدخل الفرنسي تغير اسم القوات الموجودة إلى "ميسكا" – وتأمين المواطنين ونزع الخلاف، إلا أن القوات الفرنسية كانت تجرد "سيليكا" من سلاحها، وتركتهم فريسة سهلة لميليشيا أنتي بالاكا المسيحية.

المطامع الفرنسية في إفريقيا الوسطى معروفة؛ إذ إنها تجري وراء اليورانيوم الغنية به إفريقيا الوسطى والذهب والألماس والبترول وكثير من المعادن، لاسيما بمناطق المسلمين، ومن هنا تأتي الاستفادة من تهجيرهم.

محاولة انقلاب محكمة جرى الترتيب لها بتخطيط فرنسي، وسط حضور إعلامي غربي مفاجئ بالعاصمة "بانجي"، كانت خيوط اللعبة التي بدأت في 5 ديسمبر 2013 بخدعة من خلال استهداف المسلمين في منطقة "بوينج" لسحب الجيش بعيداً عن القصر الرئاسي ثم يتم اقتحام القصر وإعلان الانقلاب، وعندما كادت أن تفشل اللعبة، تم نقل الخطة إلى مربع آخر وهو ادعاء أن حرباً أهلية تجري بين المسلمين والمسيحيين، وعلى المجتمع الدولي دعم الموقف الفرنسي.

في 10 يناير/كانون الثاني 2014، أعلنت استقالة "دجوتوديا" من منصب الرئاسة، ثم اختيار "سامبا بانزا" رئيسة مؤقتة للبلاد، وبالتوازي مع ذلك كانت عناصر "أنتي بالاكا" تمارس هوايتها في إراقة دماء المسلمين المدنيين في مذابح كبيرة وهدمت نحو 400 مسجد، وكان آلاف المسلمين يُحرقون أحياء ويقطعون أوصالاً في الشوارع، ففرت أعداد كبيرة منهم إلى دول الجوار تشاد والكاميرون ليعيشوا في مخيمات لجوء بعد أن كانوا يمسكون بزمام التجارة في بلدهم، في ظل وضع إنساني كارثي يعيشه هؤلاء المُهجَّرون في دول الجوار، وداخلياً تحت حماية هشة غير قادرين على العمل أو التحرك أو حتى يأمنون من محاولة الهجمات المتكررة، ما يفاقم الوضع الإنساني وليدفع المسلمون العزل ثمناً فادحاً لصراع السياسة والمصالح.

___________________
– المصادر:

1- ماذا يحدث في أفريقيا الوسطى؟

2- "التعاون الإسلامي" تدين مقتل 26 مسلما جراء مذبحة بإفريقيا الوسطى

3- "أنتي بالاكا" تقتل 146 من المسلمين بأفريقيا الوسطى

4_ حداد على مجزرة حصدت مسلمين بأفريقيا الوسطى

5- حرق وتدمير مسجد على أيدي حشود غاضبة تتهم المسلمين بدعم حكومة المتمردين السابقين

6- مسيحيون يحرقون مسجداً في بانغي بأفريقيا الوسطى

7- بلا حدود – المجازر المرتكبة ضد المسلمين بأفريقيا الوسط

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد