شادية شفاها الله: الدرس انتهى لموا الكراريس
——————————–
من أكثر الأغاني الوطنية براعة في تصوير الجرح النازف، صلاح جاهين في قصيدته عن مجزرة صهيونية راح ضحيتها ثلاثون طفلاً من تلامذة مدرسة بحر البقر، قامت طائرات الفانتوم الأميركية الصنع التي يستعملها الجيش الإسرائيلي بقصف المدرسة الابتدائية الواقعة بمركز الحسينية بمحافظة الشرقية، عدد الضحايا وصل إلى 77 بين قتيل وجريح كلهم مدنيون إلا أربعة عسكريين، وقعت الجريمة في أبريل/نيسان 1970م، حضر صلاح جاهين إلى مكتب وزير الإعلام بهذه القصيدة، وقد غنتها السيدة شادية، مصطحباً معه الورقة التي كانت شادية تقرأ منها، وقد بللتها الدموع.
بعدها أرسل أطفال مدرسة بحر البقر إلى باتريشيا زوجة الرئيس الأميركي نيكسون يسألون إن كانت سيدة أميركا الأولى تقبل أن تقتل طائرات الفانتوم أطفال أميركا؟ أنت الأم لجولي وتريستا والجدة لأحفاد.. هل نستطيع أن نذكر لك ما فعله زوجك مستر نيكسون؟
الدرس انتهى لموا الكراريس
بالدم اللي على ورقهم سال
في قصر الأمم المتحدة
مسابقة لرسوم الأطفال
إيه رأيك في البقع الحمرا
يا ضمير العالم يا عزيزي
دي لطفلة مصرية سمرا
كانت من أشهر تلاميذي
دمها راسم زهرة
راسم راية ثورة
راسم وجه مؤامرة
راسم خلق جبارة
راسم نار
راسم عار
ع الصهيونية والاستعمار
والدنيا اللي عليهم صابرة
وساكتة على فعل الأباليس
الدرس انتهى
لموا الكراريس
إيه رأي رجال الفكر الحر
في الفكرة دي المنقوشة بالدم
من طفل فقير مولود في المر
لكن كان حلو ضحوك الفم
دم الطفل الفلاح
راسم شمس الصباح
راسم شجرة تفاح
في جناين الإصلاح
راسم تمساح
بألف جناح
في دنيا مليانة بالأشباح
لكن قلبها مرتاح
وساكتة على فعل الأباليس
الدرس انتهى لموا الكراريس
إيه رأيك يا شعب يا عربي
إيه رأيك يا شعب الأحرار
دم الأطفال جايلك يجري
يقول انتقموا من الأشرار
ويسيل على الأوراق
يتهجى الأسماء
ويطالب الآباء
يثأروا للأبناء
ويرسم سيف
يهد الزيف
ويلمع لمعة شمس الصيف
في دنيا فيها النور بقى طيف
وساكتة على فعل الأباليس
الدرس انتهى
لموا الكراريس
رحم الله الشاعر صلاح جاهين، شاعريته الفريدة أنه كان يبدع من مفردات أخبار الجرائد قصائد تهز الوجدان، سمعت قصيدته عبر المذياع، ولم أكن قد بلغت العاشرة، ولكنني كنت مع عائلتي نتابع يوميات ما سُمي بحرب الاستنزاف، الحرب التي أخذ العرب يستعيدون فيها ببطء ثقتهم بأنفسهم بعد نكبة 1967، وكان اعتداء الطائرات الصهيونية على مدرسة بحر البقر عدواناً مبرمجاً لكسر إرادة الشعب المصري، الذي تشبث بالتحدي أمام الهزيمة، من يومها وكنت قليل المعرفة بالغناء كنت أظن أن شادية هي فعلاً مدرسة في إبتدائية بحر البقر تعزف على حزنها أسماء تلامذتها الذين تعانقت أشلاؤهم، وتجمعت عظامهم، وجرت دماؤهم… ظلت صورة الفنانة شادية في ذهني صورة معلمة المدرسة الابتدائية، لدرجة أنني يوماً سمعت عبر المذياع أغنيتها: قولوا لعين الشمس ما تحماشي.. لحسن حبيب القلب صابح ماشي.. كنت أتخيلها تغني لتلامذتها في بحر البقر وهم يستيقظون ليقطعوا المسافة من بيتهم إلى مدرستهم.
شفى الله شادية وعافاها، وأحسن وفادتها عليه.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.