مشكلة الأفكار في العالم العربي

فالعقل العربي ليس عقيماً ولا تنقصه الأفكار والتاريخ شاهد على ما أقول، لكن الجسم العربي مشْلُول الإرادة، بفعل فاعل، يكفي أن تُلقي نظرة بسيطة على قائمة القنوات العربية في تلفزيونك، أخبرني كم من محطة مخصصة للأغاني الهابطة والأفلام الرخيصة ونسبة ذلك إلى قنوات الثقافة والفن الهادف.

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/07 الساعة 04:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/07 الساعة 04:45 بتوقيت غرينتش

في عام 2009 قام المُخرج الأميركي جيمس كاميرون بعَرض فيلم AVATAR الذي وَصلت إيراداته لأكثر من 2 مليار دولار، والمُتتبع الجيِّد للسينما بشكل عام وهوليوود يعلم بأن فكرة الفيلم تم تداولها أكثر من مرة، فالفكرة الأساسية التي تَعْتمد عليها القصة عِبارة عن مُجتمع يعيش في كَوكب بعيد عن الأرض يسمى "باندورا" يتم زرع جندي أميركي بينهم؛ لِيدرس جغرافيا المكان وثقافة السكان المحليين، ويقدم تقاريره بعد ذلك للاستفادة منها في غزو الكوكب.

نفس الفكرة تمت معالجتها قبل ذلك بعقدَين من الزمن في فيلم Dances with wolves المأخوذ عن كتاب للمؤلف الراحل مايكل بليك، الذي تدور أحداثه حول جندي أميركي يَعيش فترة من الزمن رفقة هنود "اللاكوتا" بالغرب الأميركي، وبعد أن قرر رفاقه اجتياح تلك القبائل وغزوها، قرر هو الدفاع عنهم ووقف في وجه رفاقه القدماء.

نَفْس الفكرة لكن التعبير عنها يختلف من مُخرج لآخر، الوسائل المستخدمة أيضاً تختلف فجيمس كاميرون توصل لفكرة الفيلم في عام 1990 وهو نفس العام الذي عُرض فيه فيلم "الرقص مع الذئاب"، ولكنه انتظر الوقت المناسب لعَرض فكرته، حيث استفاد في إعادة تدوير تلك الفكرة التقليدية من تقنية الصوَر ثُلاثية الأبعاد والمؤثرات السَّمعية والبصرية الحديثة (حصل الفيلم على جائزة الأوسكار لأفضل تأثيرات بصرية)، رغم أن دور العُنصر البشري لم يلعب عاملاً مؤثراً في أحداث العرض؛ إذ إن الممثلين الذين يظهرون على الشَّاشة في أغلب أوقات الفيلم لهُم أشكال غريبة على هَيْئة الصور النمطية لهوليوود عن سكان الفضاء (طول 3 أمتار مع ذيل وعيون واسعة ملونة).

في الأربعينات والخمسينات، كانت الأفلام العربية تُنافس أفلام هوليوود، ومنها ما هو أفضل، رغم ظروف الاحتلال والحرب، مِما يعني أن الأفكار لها نفس الجودة لكن التعبير عنها يختلف.

إذا افترضنا أن الأفكار لا تموت وليس لها تاريخ صلاحية ولا يمكن اغتيالها أو إعدامها شنقاً أو رمياً بالرصاص، فحينها يجوز لنا طرح تساؤل مشروع: لماذا يعيش العقل/العالم العربي حالة من التخلف رغم توفر الأفكار؟

للإجابة على هذا التساؤل علينا التذكر بأن الأفكار ينطبق عليها قانون القصور الذاتي، الذي يُفيد بأن أي جسم (فكرة) ساكن لا يمكنه أن يتحرك إلا بتدخل قُوة لتحريكه والعكس، فالفكرة بحاجة لإرادة كي تتحرك، تماماً كحاجة السيارة للوقود.

فالعقل العربي ليس عقيماً ولا تنقصه الأفكار والتاريخ شاهد على ما أقول، لكن الجسم العربي مشْلُول الإرادة، بفعل فاعل، يكفي أن تُلقي نظرة بسيطة على قائمة القنوات العربية في تلفزيونك، أخبرني كم من محطة مخصصة للأغاني الهابطة والأفلام الرخيصة ونسبة ذلك إلى قنوات الثقافة والفن الهادف.

انظر إلى نسب الأمية في العالم العربي ومُعدلات القراءة ومُؤشرات التعليم، وتصنيف الجامعات ومراكز البُحوث والدراسات.

كل ذلك جعل الإرادة التي هي وقود الأفكار مُعَطَّلة وغير قادرة على الدفع بالأفكار نحو الأمام، مما وَضع المُجتمع/العَقل العربي في الظروف والوضعية التي يعيشها في الوقت الراهن.

من مبادئ الفلسفة الحديثة مبدأ الكوجيتو الديكارتي "أنا أفكر.. إذاً أنا موجود"، ولكن مشكلة الأفكار في العالم العربي هي غياب الإرادة السياسية التي تتبناها، إضافة إلى القبول الاجتماعي.

فكل الأمم التي خلت والتي تميزت بنمط معين من الفكر، بقيت آثارهم شاهدة عليهم، من مصر القديمة إلى بابل إلى اليونان والصين، وصولاً للحضارة الإسلامية، فأمة لا تُفكر، وإذا فكرت تجد إرادتها مُعطلة أو مُقيدة لن تنهض أبداً إلى يوم الدين.

فإذا كانت الأجيال السابقة تركت لنا حضارة لم نستطِع أن نحافظ عليها، ماذا سنترك نحن كعرب للأجيال القادمة؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد