– في تجربة تم عملها في جامعة Case Western في أوهايو، مجموعة من الطلاب دخلوا غرفة فيها طاولتين؛ طاولة عليها كوكيز شكلها لذيذ جداً، وطاولة تانية عليها لِفت (بتاع المخلل)، تم تقسيم الطلاب إلى مجموعتين: المجموعة الأولى قالوا لهم إن ليهم مطلق الحرية ياكلوا من أي طاولة، اللي عاوز ياكل كوكيز براحته واللي عايز ياكل لفت براحته، وطبعاً كلهم اختاروا ياكلوا الكوكيز اللذيذة.
بينما المجموعة التانية قالوا لهم إنهم لو عاوزين يكملوا التجربة لازم يقاوموا أكل الكوكيز وياكلوا اللِفت.
بعد كده أخدوا كل الطلاب لغرفة أخرى، وطلبوا من كل طالب أن يحل Puzzle – لعبة تكوين الصور – لكنه بازل صعب جداً ومعقد بشكل مبالغ فيه، بحيث يحتاج لصبر ومجاهدة للنفس لإكماله، وقالوا لهم إنهم مش مُطالبين بحل البازل للنهاية، كل واحد يحاول على قدر ما يستطيع.
النتيجة أظهرت إن الطلاب اللي أكلوا الكوكيز كان أداؤهم أفضل بشكل كبير من الطلاب اللي أجبروا نفسهم على أكل اللفت.. ما السبب؟
– على عكس ما يعتقد الكثيرون، قوة الإرادة مورد محدود! بمعنى إن عندك مخزون محدود من قوة الإرادة تستهلكه طوال اليوم، والمفروض تدير عملية استهلاكه بحكمة.
الطلاب الذين أجبروا أنفسهم على أكل اللفت استهلكوا جزء كبير من قوة الإرادة لديهم لفعل ذلك، بينما من أكلوا الكوكيز فعلوا ما يحلو لهم ولم يجبروا أنفسهم على شيء، فهم لم يستهلكوا شيئاً من مخزون قوة الإرادة لديهم، فبالتالي عند إعطائهم مهمة تحتاج لقدر من قوة الإرادة لإتمامها وهي حل البازل كان لآكلي الكوكيز اليد العليا والقدرة الأكبر على الاستمرار في حل البازل من آكلي اللفت.
– معلومة أخرى مهمة: العادات لا تستهلك الكثير من مخزون قوة الإرادة!
بمعنى أن السلوكيات التي أصبحت عادة لديك لا تحتاج منك إلى قدر كبير من قوة الإرادة للقيام بها، وهذا منطقي طبعاً، من يحافظ على صلاة الفجر يتذكر أنه في بداية الأمر كان يحتاج لإرادة وجهد للقيام من السرير للصلاة، لكن بعد فترة وبعد أن أصبح الاستيقاظ للصلاة عادة لم يعد يحتاج لبذل الجهد، أو لقدر كبير من الإرادة لفعل ذلك.
– بناء على هاتين المعلومتين:
1 – قوة الإرادة مورد محدود.
2 – العادات لا تستهلك الكثير من مخزون قوة الإرادة.
يمكننا أن نستفيد بالتالي:
1 – استراتيجيتك في تطوير نفسك يجب أن تقوم على استغلال مخزون قوة الإرادة بحكمة عن طريق استخدامه في بناء العادات، يعني تجبر نفسك على سلوك إيجابي معين بشكل مستمر حتى يصبح عادة، وما إن يصبح عادة فلن تحتاج لقوة الإرادة للاستمرار في فعله، وبالتالي تنتقل لسلوك إيجابي آخر وهكذا، زي ما بيقول الفرنجة One Habit at a time.
2 – فيه ناس في فورة الحماس بتحاول تغير أكتر من سلوك في نفس الوقت، يعني هو سمع محاضرة ما حمسته فقرر يبقى إنسان جديد، خاصة الناس اللي بيحبوا يبدأوا حياة جديدة يوم 1 يناير دول! .. فمن تاني يوم عاوز يتوقف عن تدخين السجائر ويتبع نظام غذائي صحي عشان يخس ويبتدي يقرأ كل يوم 10 صفحات من كتاب مفيد ويلعب رياضة ويحفظ قرآن ويروح الشغل بدري وينام بدري و.. و…
دي خطة عبقرية لضمان الفشل! أي عادة إيجابية جديدة بتحاول تكتسبها هتستهلك جزء كبير من مخزون قوة الإرادة عندك، وبالتأكيد انت ما عندكش مخزون يكفي لكل هذا، اختار شيء واحد فقط لتغييره، وما إن تنجح انتقل لما بعده.
3 – أفضل وقت تدرب نفسك على عادة جديدة أو تعمل فيه Task مهمة ومحتاجة جهد هو وقت الصباح الباكر.. ليه؟ لأن مخزون الإرادة بتاعك بيبقى لم يُستهلك بعد، خلال اليوم انت بتستهلك مخزون الإرادة في أنك تصبر على زحمة المواصلات وما تنفجرش.. إنك تصبر على تعنت أو غباء المدير أو العميل في الشغل.. إنك تتمالك نفسك أمام ممارسات الشعب اللطيف.. إنك تنفذ مهام الشُغل المملة.. إنك تصبري على دوشة العيال وعدم سماعهم للكلام والمحاولة معاهم مرة واتنين وعشرة.. إنك تغسلي المواعين.. وهكذا.
وبالتالي الأضمن دايماً لأي شيء مهم إنك تعمله بدري وما تأخروش لمنتصف أو لآخر اليوم وإلا غالباً هتأجّله ليوم تاني.
4 – كل ما حوِّلت السلوكيات الإيجابية لعادات كل ما وفرت مخزون قوة الإرادة لشيء أهم، لبناء مشروعك أو حلمك، لتعلم مهارات جديدة.. وهكذا.
لو هنستهلك كل مخزون قوة الإرادة عندنا فقط للحفاظ على الصحة والحفاظ على الوظيفة، فهذا يعني أننا لن نتطور، ولن نتقدم بل كل ما نفعله هو أننا نحافظ على أنفسنا في نفس المكان.. وهذا أحد أنواع الفشل!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.