عن الوطن الضائع في كومة قش

لا لم أكن مخطئاً، إنهما " أسعد وجودي"، نعم أسعد خشروف وجودي أبو خميس، من قلب تلك الشاشة الصغيرة المعلقة في المقعد الأمامي كان نضال سيجري وباسم ياخور يطلان بشخصيتيهما اللطيفتين المحببتين العالقتين في أذهان السوريين وربما العرب، فمن منا لا يعرف مسلسل "ضيعة ضايعة".

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/03 الساعة 07:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/03 الساعة 07:52 بتوقيت غرينتش

دمشق – السادسة والنصف من مساء الإثنين – 9 مايو/أيار 2016

لا شيء جديد فيه سوى أنه ثالث يوم لي في عملي الجديد، كنت قد عدت قبل ساعة، نلتُ قِسطي من الراحة، بدّلت ملابسي، حملت حقيبتي وخرجت من المنزل للقاء صديقي العائد حديثاً من بلاد الأرز "لبنان".

وكالمعتاد.. على ناصية الشارع وقفت في انتظار أي وسيلة نقل عابرة تقلني لمقصدي وتكون الحل لمعضلة الندرة في وسائل النقل التي ألفناها.

فجأة.. من وسط زحام الأفكار والصور التي تعاقبت في ذهني بلا وازع ولا رقيب، أيقظني من غفلتي صوت عجلات الميكروباص الصغير الذي توقف على بُعد أمتار قليلة، وبينما أنا أهمّ بالصعود تبادر لمسمعي صوت مألوف.. حديث لطالما أشعرني بالسعادة وأثار في نفسي كمّاً وافراً من الصور الممتعة.

خُيّل لي في البداية أن ما سمعت ليس سوى خاطرة عابرة أخرى مرت بمخيلتي كغيرها، فكيف لهذا الصوت يصدر من وسيلة نقل عامة؟! اللهم إلا عبر المذياع، إلى أن فتحت الباب فهالني أمر عجيب، كان الركاب -جميعهم تقريباً- يضحكون.. حتى ذاك الشاب الذي أهداني مقعده قبل النزول، كانت الصورة غير متوقعة، وما إن ركنت لمقعدي حتى اتضح لي الغريب وبان غير المتوقع.

لا لم أكن مخطئاً، إنهما " أسعد وجودي"، نعم أسعد خشروف وجودي أبو خميس، من قلب تلك الشاشة الصغيرة المعلقة في المقعد الأمامي كان نضال سيجري وباسم ياخور يطلان بشخصيتيهما اللطيفتين المحببتين العالقتين في أذهان السوريين وربما العرب، فمن منا لا يعرف مسلسل "ضيعة ضايعة".

لا شعورياً استلطفت الفكرة "على بساطتها" وارتسمت الفرحة على محياي، فأمامي فرصة للضحك طوال الطريق.

كان أسعد "كعادته" يحاول بلا فائدة منع جودي من سرقة ماله، كما هي الحال في كل مرة "يتشارطان" فيها على أمر غير مفهوم.

بالرغم من أن الحلقة المعروضة منقولة على قناة "أورينت" "المعارضة"، غير أن أحداً لم يلتفت لهذا الأمر، لم يثر الموضوع حفيظة أحد إلى درجة التصادم بين الشعورين (الثوري) و(اللاثوري).

كان الضحك وحده سيد الموقف، وأكاد أجزم أن أحداً من الركاب لم يفكر بالطريق أو عدد الحواجز أو الهوية، أو دفتر خدمة العلم أو الحرب بكل متعلقاتها.. عدد المناطق المحاصرة أو تلك المحررة، أسعار النقل، أسعار الصرف، أسعار الخضار والفواكه أو حتى طبخة اليوم.. أو أي أمر من الأمور التي باتت تشغل تفكير الناس طوال السنوات العجاف.

ربما كنت الوحيد الذي شطح به الخيال، فلا أدري لم خطفني فجأة ما كان يقوله لي أبي في نهاية كل حلقة من هذا المسلسل الكوميدي: "والله هالبلد ضيعة ضايعة".

ظلت للحظات تتردد تلك العبارة في ذهني "هالبلد ضيعة ضايعة… هالبلد ضيعة ضايعة".
ياااااه.. ما أحلاها!
نسيت الطريق والمسلسل وضحكات الركاب، حتى رائحة العرق المنبعثة من ذلك الشاب الجالس على مقربة منّي.. نسيت كل شيء وأخذت أفكر في تلك العبارة "هالبلد ضيعة ضايعة"، يا ليتها كانت كذلك.

لو كان كل شيء في هذه البلاد "كالضيعة الضايعة المفترضة"، بجوها وخضرتها وجمال طبيعتها والأهم عزلتها عن العالم.

تخيل معي.. لو كان كل البسطاء والأصدقاء كأسعد خشروف بطيبته ووفائه وحسن معشره مع العدو قبل الصديق.. حين خانته حنجرته اقتلعها.

لو كان كل المستغلين كـ"جودي أبو خميس" سقف الاستغلال لديهم "100 أو 200" ليرة برهان وأعظم سرقاتهم بيضتان أو دجاجة.. لا فرق فكل شيء "مقيد ع الدفتر"، هل سمعت يوماً بسارق يدون ما سرق من قوت الناس؟!

لو كانت كل قصص الحب كحكاية "عفوفة وسلنكو" ببراءتها وبساطتها وخفة دمها في ابتداع سبل اللقاء، حتى وإن أقلق راحتها "المختار البيسة" فسقف التصعيد "كفين وكم عصاية" لا جريمة شرف فيها، ألم تلاحظوا أنهما لم يتشاجرا يوماً شجاراً وصل حد القطيعة؟!

تخيل معي لو أن كل "الفاسدين" كعادل، لو أن الحكومة كمخفر أبو نادر الباحث عبثاً على الدوام عن شبهة تثير الشكوك للتحقيق فيها في تلك القرية الوادعة.. لو كانت كل مؤسساتها محصورة بختم واحد كختم "المختار البيسة".

تخيل لو أن كل أجهزة الأمن في بلادنا كـ"حسان" الذي توقف تطور وسائل التحقيق عنده على "بساط الريح".
لو كان تجار بلادنا كـ"صالح" لو يأخذون قليلاً من الاسم فقط.

تخيل معي لو كانت بلادنا تعاني من الجهل والفقر في الموارد والإمكانيات والعزلة عن كل شيء.. لو كان اقتصادها قائماً على مدخول الأرض والمحراث بعيداً عن اقتصاد السوق والصادرات والواردات والبورصة وتباين أسعار الصرف وأسعار النفط وأسعار الغاز وأسعار الذهب والغذاء العالمي والجشع العالمي.

تُرى.. هل سنكون حينها بمأمن من أطماع "الإمبريالية والرأسمالية والحسابات الإقليمية والعالمية"؟.

هل كنا خرجنا من دائرة الأجواء "المكهربة" بين الأقطاب الأحادية والثنائية والثلاثية التي تحرقنا ليل نهار؟

ومرة أخرى تخيل معي للحظة.. لو أن كل البنادق في بلادنا كبندقية أسعد "نيشانها خربان" ورصاصها "أكل رطوبة".
هل تراها تكون فعلاً (الناجي الوحيد)؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد