أصل الأجناس في تطور الأديان

لطالما تساءلت عن أصل الخلق وعن كيفية تطور الأجناس والعديد من القصص والتفسيرات المقدمة، منها ما هو سماوي ومنها ما هو أرضي، وكيف بدأ الخلق بسيدنا آدم وسيدتنا حواء وإنزالهما من الجنة إلى الأرض في التفسير القلبي الإيماني من جهة، والتفجر العظيم والتمدد الكوني في التفسير العقلي من جهة أخرى

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/29 الساعة 03:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/29 الساعة 03:13 بتوقيت غرينتش

لطالما تساءلت عن أصل الخلق وعن كيفية تطور الأجناس والعديد من القصص والتفسيرات المقدمة، منها ما هو سماوي ومنها ما هو أرضي، وكيف بدأ الخلق بسيدنا آدم وسيدتنا حواء وإنزالهما من الجنة إلى الأرض في التفسير القلبي الإيماني من جهة، والتفجر العظيم والتمدد الكوني في التفسير العقلي من جهة أخرى، وكيف أن الفريقين منذ الأزل في خصام دائم حول أصحية الأطروحتين والجدير منهما بالتصديق، كما لو أنهما النور والظلام؛ بحضور الأولى تغيب الثانية وحضور الثانية ما هو إلا غياب للأولى، فما الظلام بكائن ملموس ولا بمحسوس؛ بل ما هو إلا غياب النور.

لكن، لماذا لم يفكر الفريقان يوماً في إمكانية تكامل النظريتين، فما العقل إلا ثمرة من ثمار الخلق، وما الله إلا الخالق العظيم لكل الخلق، وكما حدثنا ديكارت: ما معرفتنا بالله إلا ثمرة مراقبتنا لخلق الله، وما أجمل خلق الله إن لم يكن الإنسان، وما كمال آلة الإنسان إلا دليل على كمال الله، وما وجود فكرة الكمال إلا دليل على وجود الكامل، إذن فعقلياً وقلبياً وجود الله الواحد الأحد نقطة لا اختلاف عليها وما تعنتنا في فهمها إلا عناد عقل ضعيف يرى ولا يبصر، فلا يكفي أن نفتح أعيننا لنرى، وكم من شخص يرى ولا يتبصر.

الأكيد أن أول الخلق سيدنا آدم يشبه في الجوهر الإنسان العادي، فما خلقنا إلا لنعبده (الله)، وسيدنا آدم وزوجه حواء ليسا استثناء للقاعدة؛ إذ نحن استثنينا مرحلة ما قبل نزولهما إلى الأرض، وإن كنا نمتلك الجوهر نفسه فالأكيد أننا لم نمتلك قط الشكل نفسه، وما علم الحفريات إلا قطرة في بحر الأدلة التي يقدمها لنا العلم يوماً بعد يوم منذ القرن الـ19 لإثبات ذلك، وما هذا استنقاص من قدرة الخالق العالِم بكل شيء والمتفطن في مسار كل شيء. فما خلق الإنسان في شكل مختلف وبعقل مختلف مظلم إلا خيار عن قصد ولسبب، وما التطور البشري منذ الأزل إلا دليل على صحة الاختيار، وكيف لا يكون صحيحاً والصحيح الواحد الأحد هو صاحب الاختيار؟!

الدين بدأ بتوجيهٍ واحدٍ لسيدنا آدم وزوجه حواء: "وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكُلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين" (سورة البقرة: الآية 35)، توجيه يتفق مع قدراتهما العقلية الآنية في تلك اللحظة، توجيه واحد، حادا عن سبيله فأرسلهما الله إلى الأرض؛ لتبدأ حياة البشرية جمعاء.

حياة بدأت بسيطة ببساطة تكوينهما العقلي والجسدي وتطورت مع مرور الأزمان، تطور أتى على الصعيدين، الجسدي من ناحية بتطور الشكل البشري، والعقلي الأخلاقي من جهة بتتابع الأنبياء والرسل السماويين المرسلين لتعليم الناس وتبيين طرق الحياة وجمعهم على الطريق الصواب، وإعطائهم التعاليم التي يكمل الواحد منهم السابق له إلى آخر الرسل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، في تكامل وتطابق تام مع التطور البشري، خصوصاً لقدراته العقلية من أبينا الأول آدم إلى عهد الحبيب المصطفى.

فإن اختار خالق الكون لتطوير وتهذيب النفس البشرية مقرراً تعليمياً دينياً يتبع خطاً زمانياً متواصلاً متلاحقاً، يحتكم لأحكام الوقت، ويسترسل في أحداثه اليوم يسبق البارحة والغد هو أمس بعد غد- فما الغريب أن يختار لجسمه كذلك مقرراً يتبع خطاً زمانياً متواصلاً، يكون فيه عقل الأمس أنزل مقدرة من عقل اليوم، وعقل الغد هو عقل اليوم أضاءت فيه بقعة ظلام فجعلته أفضل؟

تطور عقلي وجسدي تواصَل منذ الأزل في سرعة تتفق مع سرعة الفُلك الأرض التي نعيش فيها، إلى أن وصل إلى قمته مع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فأخبرنا على لسان الخالق عز وجل: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" (سورة المائدة: الآية )3.

فانتهى بذلك التعليم النفسي ووصل الإنسان إلى قمة التطور العقلي، واستطاع أن يستعمل ذلك العقل الذي مُنح في البدء وهو مظلم بعد أن أضاء نبي الرحمة آخر ركن مظلم فيه بنور وحيه، فتفتحت الأفكار وتنوعت الفلسفات وتطورت العلوم وهي ما زالت على ذلك الحال إلى يومنا هذا، فرغم تطور الوسائل فإن النفس البشرية لم تتغير، فنحن هم نحن مع الفارق البسيط أنه بالأمس كنا نمتطي جواداً واليوم نركب سيارة، والغد لناظره قريب، وما هي إلا قراءة بسيطة في الروايات الكلاسيكية وإبحار في النفس البشرية لشخصيات دوستويفسكي وشارل ديكنز لتفهم سريعاً أننا أبطال هاته الروايات وأن جوهرنا لم يتغير رغم تغيُّر محيطنا وطريقة عيشنا والملاحظة نفسها تنطبق على الذات البشرية.

فلم التطاحن والتكفير والاختلاف؟! ولم لا نقبل -ولو للحظة- أن تطور النفس وتطور الجسد ما هما إلا أكبر دليل على وحدانية وعظمة الخالق؟! وأن عقولنا مهما حاولت أن تفهم الحكمة من ذلك، فلن تستطيع أن تفهم، وما مقالي إلا وجهة نظر لعبد بسيط لا يفقه في الدنيا شيئاً.

نبي بشرية آخر هو ابن رشد، قال: "الحَسَن ما حسَّنه العقل، والقبيح ما قبحه العقل"، وهو الفيلسوف القاضي العالِم الفقيه بأمور الدين، قول من بين أقوال تسببت في التنكيل به ونفيه من طرف قوم يحسّنون ما يقبحه العقل ويقبّحون ما حسنه، فأرجو من القارئ التدبر والتفكير قبل إبداء الرأي وعدم الحكم على المقال من عنوانه تنفيذاً لقوله تعالى: "وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون" (سورة الأنبياء: الآية 30)؛ أي إن الإيمان إيمان العقل قبل أن يكون إيمان القلب، فما بُنيت المعابد إلا لترى العيون فتؤمن القلوب.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد