الخامسة مساء، موعد استشارة، فُتح الباب، وإذا بي أرى ملكة من ملكات الجمال، يظهر عليها الترف والعيشة المرتاحة، عينان أحلى من عينَي زبيدة ثروت، ولكن بداخلهما حزن وانكسار لا يحتاج إلى قراءته متخصص في علم النفس.
أشرت إليها بأن تجلس، ولم أقل شيئاً غير تفضلي، مشيرة إليها بالتحدث.
وإذا بها تدخل في نوبة بكاء شديدة: تعبت من إظهار القوة وأنني لا أبالي بشيء، وأنا بداخلي منتهى الضعف، أنا أكره نفسي، أنا قبيحة جداً، أنا سمينة جداً، أنا.. أنا، وأنا… وسيل من أسوأ الصفات تصف بها نفسها.
أنا: هل كنت تشعرين بذلك طوال حياتك؟
أجابت وهي تزيل الدموع من عينيها: لا بل كنت الفتاة المدللة المحبوبة من الجميع، طلباتي مجابة، مميزة في أي مكان أظهر فيه.
أنا: منذ متى وصلت للنقيض هكذا؟
هي: بعد زواجي بعام، بدأت أشعر أني كذبة كبيرة، أني لا شيء، وأقاوم هذا الشعور إلى أن استسلمت له واقتنعت فعلاً أني لا شيء، وأن كل ما كان قبل ذلك كان خيالاً واسعاً.
أنا: ولكن لا بد أن يكون هناك سبب أوضح لك تلك الحقيقة لو افترضنا صحة قناعاتك؟
هي: زوجي كان مصدر قوتي وثقتي بنفسي، وأصبح الآن مصدر ضعفي وانهزامي.
أنا: لماذا أصبح كذلك؟
هي: لأني لم أعد بالنسبة له الحبيبة الجميلة، التي تغنيه عن جميع نساء العالم، كما كان يخبرني دائماً، فهو لم يعد يطيق القرب منّي، وفي الفترة الأخيرة ترك لي الغرفة وأسس غرفة له، وأنا لم أقترف بحقه أى ذنب.
أنا: برأيك ما الذي أوصله لتلك الحالة؟ كيف بعد كل هذا الحب وصل لهذا الجفاء التام؟
هي: في بداية علاقتنا الزوجية كان يطلب مني أشياء من وجهة نظري شاذة، ولم أكن أجد أي متعة في تلك الأوضاع، وكلما أخبرته بذلك برر لي بأني حلاله وله الحق في أي شيء، وبأني جاهلة ولا أعرف شيئاً.
ولأني كنت في بداية حياتي الزوجية، ولا أملك أي ثقافة عن تلك العلاقة فعلاً، وأستحي أن أعرف هل ما يقوله طبيعي أم لا، كنت أرضخ لطلباته مهما كلفني ذلك من آلام نفسية، ولك أن تتخيلي تفاصيل كثيرة أتعفف عن ذكرها، وماذا كان يحدث في نفسي من تشوهات بسببها.
وبعد فترة أصبح يفضل الهجر في الفراش، والوحدة مع الصمت، وفي يوم وهو منعزل في غرفته دخلت عليه لأجده يشاهد تلك المواقع اللعينة، التي مهما كنت أسمع القصص من أصدقائي وأن أزواجهم يشاهدونها كان لا يخطر ببالي أنه يفعل ذلك.
فكانت صدمتي قوية جداً، فكان بالنسبة لى القدوة صاحب الدين، فهو كان سبباً في أن أُحسن حجابي وأواظب على صلاتي، وأهتم بالنوافل، كيف يوصيني بذلك ويفعل ذلك؟!
شعرت بطعنة تخترق قلبي، وكأني وجدته مع امرأة أخرى، وبعد انهيار شديد، وإصرار على ترك المنزل وطلب الطلاق، توسل إلي أن لا أتركه وأنها المرة الأخيرة ولن يعود أبداً لذلك الأمر.
وبرغم انكسار صورته أمامي، فكان له قدرة وقامته في عيني، قَبِلت لأني كنت أعشقه، وكان هذا بعد زواجنا بشهرين، ومن يومها سيدتي ونحن على ذلك المنوال بل تطور الأمر إلى أنه طلب منّي أن أشاهد معه تلك القاذورات بتبريرات واهية، ولما رفضت تماماً وجّه اتهاماته لي بأني مقصرة، ووصل الأمر به إلى إقامة علاقات كاملة من خلال الإنترنت، فتارة يغضب وينهرني لو اكتشفته، وتارة أذهب غاضبة إلى بيت أهلي ويأتي ليأخذني ويتوسل إلي أن أعود، وتارة يبكي كالأطفال ويخبرني أن ما يحدث رغماً عنه.
إلى أن وصلت إلى مرحلة الخرس فما الفائدة من انهياري وصراخي في وجهه؟!
فبرغم أنني أعلم كل ما يفعله، وأنه تمادى وتمادى، فإنني الآن آثرت الانهيار الداخلي، وأصبح لديَّ شعور أني السبب في كل ذلك، فلو كنت مشبعة له لما وصل لتلك الحالة المزرية كما يقول.
والآن أنا أتيت لكي توافقيني على قرار الطلاق؛ لأني لم أعد أطيق كل تلك الآلام النفسية، وأصبحت أحتقره، وأصبح شيئاً مقززاً بالنسبة لي، وأحياناً عندما أرى الناس وعائلتي يحترمونه أتمنى أن أصرخ وأخبرهم أنه أحقر الخلق، أرجوكِ ساعديني فأصبحت حياتي علقماً.
أنا: صديقتي لا يصح أبداً أن أوافقك على الطلاق؛ لأن هذا المسكين فعلاً لا يقصد أبداً أن يقلل منك أو أن يراكِ كذلك، فأنت لست المقصودة أبداً، ولكنه الإدمان يا صديقتي.
هي: إدمان؟ ما علاقة ما أشتكي منه بما تقولينه أنت الآن؟
أنا: نعم يا صديقتي إدمان فهو يعاني ما يعانيه مدمن الكحوليات والمواد المخدرة.
هي: لا يخصني الأمر كل ما أريده منك هو التأهيل النفسي للمرور بمرحلة الطلاق بدون تشوهات نفسية إضافية، لكي أستطيع تربية أبنائي.
أنا: صديقتي لتكُن هذه المحاولة الأخيرة للحفاظ على البيت من أجل أبنائك، ومن ثم من أجلك عندما تنجحين في تخطي المحنة، فكل محاولاتك في السابق لم تكن صحيحة، فكانت يا صديقتي نابعة من قلب أنثى مجروح يتألم، ولكني الآن سأضع يدك على بعض المحاولات ومع إصرارك ستظهر نتائج مبهرة لك.
بدايةً دعينا نبحث في أسباب إدمانه لتلك المواقع، فإذا عُرف السبب بطل العجب:
– عدم مراقبة الله عز وجل، واستصغار فكرة كيف يراني الله وأنا أعصيه هي من دفعته لتلك الحالة من البداية.
– إنه اعتاد مشاهدة تلك المواقع قبل الزواج، فأدمنها، ولم يتسطِع التخلص من إدمانه لها بعد الزواج.
– معظم من يشاهد تلك المواقع تزيد توقعاتهم لشكل العلاقة الزوجية بشكل غير واقعي فتحدث بينه وبين شريكته فجوة بسبب عدم تطابق الصورة الذهنية مع الواقع.
– الرتابة والملل في العلاقة الزوجية وعدم المصارحة تؤدي في بعض الأحيان للجوء إلى تلك المواقع.
– عدم شعوره بالإشباع العاطفي.
– الضغوط النفسية سبب من أسباب اللجوء لتلك المواقع.
– وطبعاً الفراغ، فالفراغ يعزز كل تلك الأسباب ويقويها، ويجعل الشخص يضع كل تركيزه عليها.
هي: إذن ماذا أفعل؟ هل تعتقدين أنني أملك من الطاقة لبحث الأسباب والصبر على حلها؟
أنا: لا بد يا صديقتي أن تستدعي الطاقة، وتمحي ماضي تلك المشكلة وتأثيره عليك، فهو يستحق المساعدة، ليس لأن كيان بيتك في وجوده فقط، ولكن لأن فعلاً إدمان هذه المواقع لم يعد سبباً للطلاق في هذا الزمان فليس وحدك من تعانين، فآلاف النساء يعانين من ذلك، وما دام زوجك لم يصل لمراحل ممكن أن تؤذيكِ أو تؤذي أطفالك فلمَ لا تساعدينه؟
هي: إذن ما هي الطريقة لاستعادة طاقتي؟
أنا:
1- اعلمي أنك أبداً لست المقصودة، وهو لا يقصد أن يخونك ولا يرى الأمر كذلك، هو فقط يبحث عن متعته حتى وهو يعلم أنها ستضره.
2- افصلي بين الشخص وبين سلوكه، نعم أتفق أنك لا بد أن تكرهي هذا السلوك ولكن لا تكرهي الشخص، فعندما يكتب الله الهداية للشخص يتغير سلوكه تماماً.
3- عندما تتحول هاتان النقطتان إلى قناعة، ستصبحين مشفقة عليه، وتساعدينه للتخلص من تلك السموم الفكرية.
4- بما أنك أخبرته بأنك تعرفين كل شيء يقوم به، اطلبي منه جلسة عنوانها الصراحة، واضبطي تعبيراتك واتفقي معه على وضع خطة للعلاج، بمعنى اجعلي كل تركيزك أن تضعيه في حيز الإدراك، لتولد عنده الإرادة في العلاج.
5- أما إذا لم تخبريه بكل ما تعرفينه، فاحتفظي به لنفسك، فمعنى أنه أخفى عليك ما يفعله، فهو يحترمك، فلا تقللي من احترامه لك بأن توجهي له الإهانات أو تخبري أحداً بما يفعله.
6- توقفي عن مراقبة أي جهاز يستعمله؛ لأن هذا سيزيد من ألمك، ولا تشعريه طوال الوقت أنك تراقبينه، أو تخافي أن تتركيه وحده، فكل هذا لن يفيد في أى شيء ما دام الشخص مصراً على الخطأ، ولن يزيدك ذلك غير كره له.
7- اعلمي أن مدمن هذه المواقع، شخص ضائع مكتئب مشتت، وأظن أن أي إنسان بهذا الوضع يحتاج إلى أي يد تمتد له للمساعدة، فكوني أنت اليد الحانية التي تنتشله من هذا المستنقع.
وأخيراً صديقتي لا تيأسي سأكون معكِ في جلسات أخرى أولاً بأول، وسأخبرك بطرق العلاج، وسأخبرك بماذا تتحدثين معه وكيف تصفين له حالته، ولكن ما يهمني أن تجلسي معه جلسةً حانيةً، بدّلي فيها لغة الحوار ليذوب الجليد بينكما، ويطمئن لك ويشعر أنك السكن الذي يريد أن يهرب إليه من هذه القاذورات.
أتمنى يكون المقال ده نقطة تحوّل في حياتكم، وأشوفكم الأسبوع الجاي في مقال جديد، مقال يخلينا سند لبعض في دنيا مليانة بالأعباء.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.