انتقد الإعلامي المصري عمرو أديب دولة قطر بعد ترشح أحد مواطنيها لمنصب مدير منظمة اليونسكو، وقلل من شأن الدولة الخليجية الصغيرة أمام حضارتين بحجم فرنسا ومصر، ولم يتردد السيد أديب في الاستدلال بالمشير نابليون بونابارت كأحد رموز الحضارة الفرنسية.
لن نخوض في حديث عن الذكريات الدموية لسيادة المشير في مصر؛ لأنها لا تهم أديب وزملاءه، بل سنخوض في قصص وتجارب ناجحة في أصول التطبيل (وهذا شيء يهم أديب وزملاءه).
فلقد كان لنابليون طبال تحول إلى أسطورة، اسمها "أندريه إتيان".
ولد "أندريه" سنة 1777 في قرية جنوب فرنسا، والتحق بالجيش الفرنسي وهو في الرابعة عشرة من عمره، كان يتقن قرع الطبول منذ طفولته، وأحب هذه الهواية وتمسك بها إلى أن أصبح جندياً يافعاً ضمن وحدات الجنرال نابليون بونابرت الذي كان آنذاك قائداً عاماً لجيش شمال إيطاليا.
توجه بونابرت سنة 1796 إلى النمسا على رأس 15000 مقاتل، واصطدم بمقاومة شرسة على ضفاف نهر "الآلبون" من طرف 45000 مقاتل من الجيش النمساوي.
ولسوء حظه، لم يكن إلا جسر واحد يربط طرفي النهر، ركّز فيه النمساويون كل قواهم وفوهات بنادقهم وطردوا كل تشكيلة فرنسية حاولت العبور.
ويُحكى أن نابليون بنفسه حاول العبور بالقوة مرفوقاً بالعقيد "اوجيرو" وكتيبة هذا الأخير، ولكن المحاولة باءت بالفشل.
تحطمت معنويات الجيش بعد تكرار المحاولات الفاشلة، ولكن الجنرال الشاب والعنيد لم يكن ليستسلم بهذه السهولة، فأمر قواته بالعبور سباحة من مكان آخر.
تردد أغلب الجنود في طاعة ولي أمرهم بعد هذا القرار الغريب، فقام شاب يافع في التاسعة عشرة من عمره يدعى "أندريه إتيان" بالقفز في النهر مصطحباً معه طبله، انطلق "أندريه" سابحاً في اتجاه ضفة العدو، يحاول في كل مرة التمسك بصخرة ليضم طبله ويقرعه ثم يصرخ "إلى الأمام".
يبدو أن منظر "أندريه" بطبله وسط النهر كان عجيباً ورهيباً، أعاد الحماسة لعناصر الجيش فانطلقوا وراءه ببنادقهم، لم يرحمهم بارود النمساويين بعد رصدهم في تلك الوضعية الهجومية الغريبة، لكن العزم أوصل الفرنسيين إلى النصر في الضفة الأخرى رغم قلة العدد وكثرة الخسائر. وتحول مشهد التطبيل وسط النهر إلى أسطورة وقصة تحكى للأطفال تعرف باسم "طبل إتيان"، فتقول الجدة الفرنسية لحفيدها وهي تداعب رأسه: "أنت شقي وشجاع مثل إتيان".
نجا "أندريه إتيان" من تلك المغامرة المجنونة، وتوفي سنة 1837 وهو في الستين من عمره، بعد سنوات من الخدمة كضابط في الحرس الإمبراطوري، وتحت مسمى "قائد الطبل".
لم يكن قائد الطبل مطبلاً لجنراله فقط، بل كان مطبلاً لمبادئه وجيشه وبلده، لم يكن طبله لعبة في يد الحاكم، بل سلاحاً يحرك به الجيوش لتحارب دفاعاً عن مصالح وطنه، لم يختبئ أندريه بطبله خلف أشلاء جيشه وحرس قائده، بل انطلق في الصفوف الأولى؛ لأن شرفه في طبله.
لم يكن الفتى بجسمٍ واسمٍ وجاهٍ يسهلون عليه مهمة الدخول إلى التاريخ، فدخله بطلاً بالتطبيل.
فهل سيتحول عمرو أديب إلى أسطورة وبطل تاريخي بتطبيله؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.