كُن أنت

إن معالم حياة كل واحد منا ومراسمها تخط في كياننا أخاديد خاصة بنا وبذاتيتنا كما تمايز بيننا بصمة أصابعنا، فخذ دعماً ومحفزاً من نجاحات غيرك لتبني بخصوصياتك أنت ومقدراتك كيانك المستقل

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/24 الساعة 05:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/24 الساعة 05:09 بتوقيت غرينتش

الحياة وكما تعلم يا صديقي ملأى بالناجحين في مختلف المجالات المتنوعة، ممن برزوا بين أقرانهم وتفوقوا، فتاريخ الحياة مليء جنباته بالكبار قدراً العالين مكانة، من الذين حققوا على أرض الواقع ما اختلج نفوسهم من أحلام، ونالوا من الدنيا آمالهم، ولمسوا من ذلك في واقعهم ما كان من قبل لهم مجرد مُنية – بالسعادة والترقب – تغمر قلوبهم.

فلعظم أثرهم على الناس وبليغ وقع تأثيرهم دب سارياً في أوساط الناس المختلفة حفظ سيرهم حفظ صدور، تحكى وتروى. وحفظ سطور، تدون وتوثق، لكي تستقى العبر من مسيرتهم، وتستخلص العظات من حياتهم، وتقتفى خطوات مناهجهم وتتبع. فتُجدد بالنظر في شدة صبرهم همم القلوب الفاترة، وتُبعث نسمات روح عزيمتهم إحياءً للنفوس الخائرة، سعياً وقصداً؛ ليكونوا لغيرهم قدوة في استلهام صفة التحمل والجلد، وأسوة في رسم معالم سبيل تحقيق الهدف وبناء مناراته، وخط مسلك الفلاح وسط أزمات الدنيا ومجرياتها العضوض.

كلنا سواء في محبة الطموح والطمع في التميز، وإن تغيرت نحو ذلك دوافعنا ومقاصدنا، فجميعنا يمني النفس الآمال العريضة، ويرسم لوحة مستقبله بريشة متعددة الألوان من الأماني الكبار، كلنا مشرئب الأعناق، يتطاول ببصره، يرنو للمعالي، يخفق قلبه شوقاً لرؤية أحلامه تتحقق على بساط واقعه ومعاشه، فيسعى ويكد جاهداً لأجل ذلك يتمثل خطوات سَير الناجحين، ويتبع سننهم حذو القذة بالقذة ظناً منه ورجاء في أن يصل إلى نيل مراده، ويرسم مراحل ومعالم مسيرة حياته هو نسخة مطابقة لنسخة حياتهم هم، لكنه وللأسف لا يدرك أنه وبصنيعه ذاك إنما يحيا انعكاساً لصورة غيره لا لصورته، فيفقد ذاته بينما كان يتقمص ذاتاً وكياناً آخر، فيعز عليه بعد ذلك إيجاد نفسه الضائعة في متاهة الحياة.

وهو مسلك خاطئ فهماً وتطبيقاً، ومنهج للنجاح غير سديد ولا رشيد، ولا يوصل صاحبه لمقصد ولا يحقق له غاية، إذ تفقد في خضم دروبه أهم ميزة لك وهي كيانك وذاتك، فتضيّع منك باقتفائك له سنين مديدة من عمرك؛ إذ سير الأعلام ونجاحاتهم إنما سيقت حكاياتها، وصيغت وسبكت حروف محطاتها لأجل شحذ الهمم وإيقاظ العزائم، وبث روح الحياة وتجديدها لمن تُحتضر آمالهم من جراء ضغط واقعهم، إنها سير نجاح دونت لتحيا نبراساً يضيء لليائسين طريق باب الأمل مجدداً بين جنباتهم روح الرجاء.

ولم يكن أبداً خط تلك السير والتذكير بها لأجل الاحتذاء الملاصق، بل لاستخلاص الأسس العامة للنجاح من الصبر والجلد والمتابعة والأمل وضرورة التخطيط … ونحوها من مرتكزات التفوق المتنوعة المختلفة، ثم الثقة والسير ببصيرة على أنها أسباب موصلة للغاية والمقصود. فمجريات حياتنا يا صديقي متنوعة ومتباينة، قد تلتقي في صور وتفترق في أخرى، فلسنا على نسق واحد، بل تختلف ظروفنا وحيثياتها فتختلف آثار ذلك على كل فرد منا. فقد تحول ظروفك بينك وبين استلهام مرحلة ما مبثوثة في إحدى قصص النجاح، لكنها قد تهب لك في الوقت نفسه مقوماً تتفوق فيه وتتميز من خلاله وتبدع بما لم يأتِ به الآخرون.

فلا تحجر واسع العطاء والإبداع والتجديد، بل خض غمار رحلتك كما خاض غيرك.

إن معالم حياة كل واحد منا ومراسمها تخط في كياننا أخاديد خاصة بنا وبذاتيتنا كما تمايز بيننا بصمة أصابعنا، فخذ دعماً ومحفزاً من نجاحات غيرك لتبني بخصوصياتك أنت ومقدراتك كيانك المستقل، وضع خطوطك العريضة لأهدافك وغاياتك المنبثقة من محضنك الاجتماعي والفكري؛ لتتبلور على جدار الزمن بصمتك المتميزة بك. ومهما بذلت فلا تحقرن سعيك في سبيل ذلك، فإثبات نفسك وتكوين بصمتك هو النجاح الحقيقي.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد