هل أصبح الطلاق الشفوي مَفسدة؟

أريد فقط إجابة واحدة تشرح لنا لماذا كل هذا التمسك بالطلاق الشفوي؟ إجابة لا تقول إن الرسول أقره، أو إن القرآن لم يتحدث عن كتابة الطلاق، فهو أيضا لم يتحدث عن كتابة الزواج، أو أن القضية في الإبقاء على وقوعه شفويا حتى لو استلزمت القوانين توثيقه كتابيا لتحصيل الحقوق.

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/21 الساعة 07:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/21 الساعة 07:35 بتوقيت غرينتش

منذ أيام انتشر سؤال لأحدهم يستفسر عن صديق خاطَبَ زوجته قبل الزفاف مازحا قائلا "أنت طالق"، فما وضعه وزوجته عندها؟ المجيب انتفض وارتعد طبعا ونقل الرأي المشهور بين الناس أن الطلاق وقع وأنها طلقة بائنة وعليهما أن يراجعا شيخا مفتيا حتى يحل مشكلتهما، على الرغم من أنهما تزوجا ويعيشان معا منذ فترة.

ومع ذلك ما زال الناس والشيوخ على حد سواء متعلقين بالطلاق الشفوي أو الشفهي تعلق الغريق بالقشة ولا أعرف لماذا؟ أين في شرع الله يدلّ دليل على أن الطلاق يجب أن يكون مقبولا شفهيا؟ وهل يقبل الزواج شفهيا في أيامنا هذه حتى نقبل الطلاق شفهيا؟ أم أننا لا نستطيع كمجتمعات شرقية أن نحرم الرجل من هذه السكين التي يسلطها على رقاب النساء كلما دق الكوز في الجرة؟ أين وجه المصلحة في أن يترك الطلاق مشاعا هكذا؟ وما الضامن لأي كان أن الرجال لا يطلقون نساءهم عشرات المرات "شفويا" خلال حياتهم الزوجية دون أن يسمعهم أحد ويتابعون حياتهم دون التفات، وكلنا نعرف أن هذا يحدث.

يقولون لك هذا من الشرع الإسلامي ولا ينبغي أن نمنع ما شرعه الله. ولا أعرف من أين هذا المنطق! الطلاق كالزواج كان يتم شفويا لأن العرب كانوا أمة شفوية، لا كتابية، لم يعرفوا الكتابة والتوثيق سوى لاحقا عندما بدأوا بتدوين القرآن ثم أنشأوا الدواوين لتسيير أمور البلاد بعد أن اتسعت وزادت أعداد الرعايا، وليس للأمر علاقة بكون الإسلام يشترط أن يكون خيار الطلاق الشفوي متاحا أم لا. أحكام الطلاق في الإسلام هي تلك التي تتعلق بعدد عمليات الطلاق المسموح بها، والعدة، والإنفاق، وحفظ الحقوق، أما الكيفية التي يتم بها الطلاق لم يتم التطرق لها، بل تُركت لأهل الشأن كيف اعتادوا أن يديروا أحوالهم الشخصية كتابة أو شفاهة.

ثم هل حقا سنقارن مجتمعاتنا الحاضرة بمجتمعات العرب عندها؟ مجتمعات محدودة الاتساع، يكاد الجميع يعرفون بعضهم، ويحاسب فيها الرجل على خيانة الوعد وتضييع الأمانة، بينما نحن نعيش في عالم فسدت فيه الذمم، وضاعت الحقوق حتى في وجود سلطات قانونية واجبها أن تقنن سير الأمور. قليل من يعرف أن أهل العلم اجتمعوا على أفضلية الإشهاد على الطلاق، بل قال علي بن أبي طالب بوجوبها، وكذلك ابن حزم (وأفتى بذلك الكثير من العلماء المعاصرين)، أي أن الرجل لا يطلق حتى يشهد على ذلك شهود عدول، أليس الأولى إذاً أن نطبق نحن هذه القاعدة؟ وما الضرر في أن نجعل القاعدة هي أن يشهد؟ وهل من فرق كبير بين أن يشهد شهود وأن يصبح الطلاق عملية لها أصولها وطرائق تثبيتها عبر المؤسسات المعنية؟ وأنه لا يقع سوى عندما تستوفى هذه الإجراءات؟ ومن أين استقام لنا أن نقارن مجتمع القبيلة والحواضر الأولية بمجتمع المدينة والدولة التي عمّتها الفوضى؟ أليس ذلك أحرى لحفظ البيوت من الحديث عن الطلاق الذي يقع عند الغضب إذا حضر العقل، وعند السكر، وعند وعند، وهو باب مَفسدة ظاهر وبائن ولا خلاف على ضرره، أفلا نغلقه ونحفظ بيوتنا ونعلّم الناس أن الميثاق الغليظ الذي اتخذوه لا تنقُضه كلمة قيلت ساعة مزاح أو في فورة غضب؟

أريد فقط إجابة واحدة تشرح لنا لماذا كل هذا التمسك بالطلاق الشفوي؟ إجابة لا تقول إن الرسول أقره، أو إن القرآن لم يتحدث عن كتابة الطلاق، فهو أيضا لم يتحدث عن كتابة الزواج، أو أن القضية في الإبقاء على وقوعه شفويا حتى لو استلزمت القوانين توثيقه كتابيا لتحصيل الحقوق. ولا داعي للدخول في أحاديث حول التفريط في السنة وتضييع أصول الدين، فلا هذا ينطبق ولا ذلك محل استشهاد. يوثق الناس معاملاتهم وفق ما اعتادوا، والرسول عليه أفضل الصلاة والسلام كان فردا من هذا المجتمع البشري، أما وقد اختلف المجتمع واختلفت أسس التوثيق وأصبح في الأمر شيوعا للظلم واستغلالا للمباح فمن واجب "العلماء" أن يبحثوا بصدق دون تعصب لقديم أو حفاظ على نظم اجتماعية أو إرضاء فئات بعينها عن طريق تُغلق بها أبواب الفتن وينزع فتيل تدمير الأسر وأكل الحقوق.

وأنا هنا لم أتحدث حتى عن الطلاق الغيابي، الذي تجاوز المعقول، يقولون يقع الطلاق ولو لم يكن بعلم الزوجة. قال: لو طلقها زوجها ولم يخبرها وهو بعيد عنها وبقيت هي معلقة لا تعلم بطلاقها شهورا فلا شيء في ذلك، طلاقها واقع وعدتها انقضت، طيب يا شيخ وحق الزوجة؟ طيب والزمن الذي ضاع من حياتها؟ طيب حتى آدميتها وأهليتها التي تجعل الزواج باطلا إن تم دون موافقتها؟ ألا ينبئكم ذلك بضرورة إبلاغها على الأقل إن لم يكن من حقها أن تعلم به قبل أن يقع أصلا؟ يقولون ذلك إثم على الزوج ولا يؤثر في حكم وقوع الطلاق. طيب أليس التشريع لتنظيم حياة الناس؟ أم أننا نترك الناس ليرتكبوا الآثام والمظالم ونقول للمظلوم هذا شرع الله؟

والعجيب في الأمر أنه في أغلب البلاد لا يقع الطلاق حتى يُوثّق لدى المحاكم وبعلم المأذون، ويُلزم هو بتبليغ الزوجة، أي أن الأمر حاصل أصلا لا نتناقش فيه! فماذا ينقص العلماء حتى يلغوا وقوع الطلاق الشفهي؟ ولماذا الإصرار عليه؟ أكرر سؤالي. وإذا تحدث أحد في الأمر قيل يريدون تغيير دين الله، يقولون إنه باب يدخلون منه لانتزاع حق التطليق من الرجل، وكأن الدين وضع فقط حتى يحافظ على حق الرجل، وكأن الأمر لا يتعلق بتنظيم الحياة في مجتمع، وكأن الإسلام لا يهدف إلى توفير السبل كلها حتى تحفظ الأسرة من عبث العابثين وعديمي المسؤولية. نعم، نحن فقط نبحث عما يُكدّر صفو حياة الرجل وقدرته على إثبات رجولته بتطليق زوجته متى ما شاء وضربها وفق الحدود المسموحة.

وأعتقد أنني ربما اُتَّهَمُ بالزندقة والهرطقة إن طالبت بألّا يتم الطلاق ولا الخلع حتى يحضر الزوجان أمام المأذون ويُسألان عن سبب الطلاق ويُراجعان فيه ويُحالان إلى لجان توجههما إلى سبل حل مشكلاتهما، ويُمهلان حتى تصل الأمور إلى طريق اللا رجعة، ثم يعودان إلى المأذون أو المختص فيُصدر لهما تصريحا بالطلاق لتعذّر استمرارية الحياة بينهما، وتوفى الحقوق وفق التشريع بعد النظر في مَن تقدم بالطلب وأسباب تقدمه ودواعيه (وهو أمر اكتشفت أنه معمول به في الممكلة المغربية بفتوى أهل العلم). هل أكون عندها قد خرجت من الملة يا تُرى؟ أو ربما أكون من الذين يريدون تفصيل دين الله وفق أهوائهم؟ على الرغم من أنني في الحقيقة فيما أقول أتحدث عن ضمان الحقوق المادية والنفسية، ولكن كل الأمر أنني ربما أقض مضجع الرجولة الزائفة في بلادنا.

هذه التدوينة منشورة على موقع الجزيرة مدونات

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد