لكي لا تموت أرواحنا

مَن منا لم تخطر بباله فكرة اللعب بمدينة الملاهي أو الجري فجأة فقط؛ لأن عقله أخبره بفعل ذلك أو التلذذ بالمثلجات وسط شارع عام؟!

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/17 الساعة 03:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/17 الساعة 03:09 بتوقيت غرينتش

أنت لست أنت حينما تحاول تقمّص مظهر لكي ترضي من حولك، حين لا تستطيع أن تظهر الطفل القابع بداخلك، حين يتوجب عليك أن تكون ذاك الشخص الجاد الملتزم ذا التعبيرات الجامدة طوال الوقت، ذاك الشخص المتزن والحكيم وإن كنت يافعاً بعد، حين لا تقدر على إطلاق ضحكتك الغريبة أو البكاء من موقف يبعث على الضحك حتى وإن كان لا يستحق، حين لا تقوى على إطلاق دعاباتك السخيفة؛ كي لا تجد نفسك بموقف محرج أمام الآخرين.

حين تذوب ذاتك في ذوات الآخرين، وتكون نسخة من الكثيرين كي لا تسمى مختلفاً في وسط صار الاختلاف فيه غير مستحب.

حين لا تستطيع السير تحت المطر دون مظلة لتنفذ قطراته إلى روحك وتربت على أكتافك؛ لأنك ستصنف بخانة المجانين العابثين بصحتهم، حين يجب عليك أن تخجل من إخبار الناس أنك وجدت ذاتك في روح أخرى وصارت لروحك توأماً وتصيح بأعلى صوتك أنك رُميت بأسهم العشق.

حين لا تستطيع أن ترى أحد رسوماتك الطفولية وتحتفظ بها لنفسك، أو التأثر بفيلم رومانسي أو الحزن لأيام بعد الانتهاء من كتاب؛ لأنك بذلك ستكون قد أضعت وقتك في أمور لا تستحق.

بداخل كل منا روح طفل صغير ولو بلغ من العمر عتياً، بداخلنا أرواح ساذجة لا تحمل من الضغينة شيئاً هي حبيسة الظهور مخافة كلام الناس غير المنتهي، أرواح تحن إلى لحظات مرح اقترنت بسن صغيرة فصار ارتباطها بهذا العمر أمراً محسوماً من محكمة المجتمع، أرواح سئمت الخفاء، وتأبى إلا أن تتحرر.

فمن منا لا يحب أن يشارك طفلاً لعبة تنتشله من هموم الحياة وتبعاتها ينافسه ويغيظه إن هو تغلب عليه، من منا لا يحب أن يمازح شيخاً قد هرم كي يرى عدد الأسنان المتبقية لديه فقط بدافع فضول طفولي، من منا لا يتحمس عند أغنية رسوم متحركة اقترنت بجيله ليردد كلماتها بصوته الخشن ويتمايل جسمه على إيقاعاتها وفق حركات غير متناسقة ومضحكة.

مَن منا لم تخطر بباله فكرة اللعب بمدينة الملاهي أو الجري فجأة فقط؛ لأن عقله أخبره بفعل ذلك أو التلذذ بالمثلجات وسط شارع عام؟!

حتى لا تشيخ أرواحنا نحن نستحق عيش حياة لا يغلبها التكلف والتصنع، تكون فيها أنفسنا ظاهرة شفافة صادقة أمام الآخرين نحيا فيها بفطرتنا، ونكون على سجيتنا دون خجل، نكون أطفالاً تارةً وراشدين تارةً أخرى، فنحن لسنا مجرد كُتل بشرية نحن روابط من الأحاسيس المرهفة التي تهدأ تارةً وتثور تارةً على إيقاعات غير منتظمة، وتريد أن تتحرر كي تلامس أحاسيس البقية.

تشيخ أرواحنا إن نحن قررنا العيش دون اختلاف أو إبداع، إن نحن اخترنا ألا نحيد عن مسار رسمه المجتمع لنا، وسِرنا فيه إن احترفنا التكرار والإعادة.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد