الدكتور "إبراهيم منير"، يُمثل ظاهرة تستحق النظر والتدبر كشاهد على الحالة الحالية التي تمر بها جماعة الإخوان المسلمين، بداية من مسماه في الجماعة، فهو عضو مكتب الإرشاد، وهو القائل لـ"الشرق" القطرية في 9 من أغسطس/آب 2015م: إنه لم يتم انتخابه نائباً للمرشد العام للإخوان، أو حتى قائماً بأعماله، وبالتالي فإن وضعه يظل عضو مكتب الإرشاد سابقاً، لولا تجدد مقولات بتجدد انتخابات للمكتب في ظل ملابسات أمنية بالغة الصعوبة تنفي وجود انتخابات من الأساس، والأهم في هذا السياق أن "منير" صار، بعد نفيه بنفسه منصب نائب المرشد عن نفسه، "نائباً للمرشد العام للإخوان"، مثلما يظل أيضاً القائم بالأعمال "محمود عزت" متوارياً عن الأنظار حتى عده البعض مثل الإمام الغائب لدى بعض الطوائف الإسلامية.
يبقى للدكتور "منير" بالطبع احترامه كإنسان مُسن يزيد عمره على الثمانين، وفق ما أمرنا به ديننا الحنيف، وإن كان نقد السياسة والرغبة في طرح التساؤلات المُضنية في ظل الموقف المُحير المُلغز للجماعة لن يتوقف على عمر الدكتور "منير" ولا مكانته من الجماعة، باختصار لأنه في ظل فيضان الدماء الغالي من كوادر الجماعة الشريفة المخلصة مع وجود عشرات الآلاف من المعتقلين، وفيهم الفتيات والنساء، في مقابل التصريحات البالغة التضارب من قبل الدكتور "منير"، ما يدعو إلى حيرة غير محدودة السقف ولا النتيجة.
ودفعاً لإزاحة التمادي في مجاهل تلك الحيرة، وجهراً بأسئلة يُتهامسُ داخل الصف وخارجه، وطرحها ضرورة قام بها من قبل الصحابة الكرام.. وهم أفضل من الكاتب في وجه الذين هم أفضل من الدكتور "منير".. تترى هنا الكلمات.
فإن قيل إن الأوضاع الأمنية الحالية تدعو للصمت، ويكفي الصف ما هو فيه، كان الرد بأن الوضع الحالي أدعى إلى مراجعة المنظومة الخاصة بالجماعة من جميع أبعادها وأطرافها، وعلى وجه الخصوص المُتصدرين الموقف من مثل الغائب "عزت" والحاضر "منير"، ونعتقد أن ما عداهما نافلة في التوجه.
في حوار مع موقع "عربي 21" مؤخراً، قال الدكتور "منير": إن الجماعة لن تتوانى في مقاومة الانقلاب، وإن أدى ذلك إلى تصدرها الموقف من جديد، وللحقيقة فإن الجملة تحتاج إلى معجم خاص لترجمتها إلى لغة واقعية يمكن فهمها.. فأي تصدر للموقف يريده "منير"؟ أو لا يدري الرجل أن الجماعة مُتصدرة الموقف بالفعل بفضل عدد الضحايا من مختلف الدرجات حتى الشهادة؟
ثم ماذا عن تصريحه على "الجزيرة" في أبريل/نيسان الماضي بأن جماعة الإخوان جماعة إصلاحية لا ثورية، وأن على الأنظمة العربية ألا تقلق منها؟
وأين ذلك من رسالته إلى القمة العربية في "البحر الميت" بالأردن قبل التصريح الأخير بقليل ومخاطبته الحاضرين فيها بـ"الرؤساء والملوك والأمراء"، وهو بذلك لا يعترف بنظام "عبد الفتاح السيسي" الانقلابي وحده؟ وكان يكفي أمثال الدكتور "منير" أن يستوعبوا الموقف؛ ليحفظوا دماء آلاف المصريين وأعراضهم منذ 2013م، لا ليرفضوا ثم يتمادوا في الرفض، ثم يقول المُتصدر منهم في 2017م إنه يعترف حتى بـ"بشار الأسد" بعد "السيسي"، وإن جماعته إصلاحية لا دخل لها بالسياسة والساسة، ولا خوف على الأخيرين منها، فلماذا لم يقبل "منير" بعزل الجماعة كلها عن السياسة في مصر لعشر سنوات كما اشترط الانقلاب في بداياته؟ طالما أنه يريد إقصاء نفسه بنفسه سياسياً بعد ذلك، وتصريح "الجماعة الإصلاحية" لم يعتذر عنه "منير" لا من بعده ولا من قبله!
أما ما هو أدهى فهو اعتراف "منير" بدولة إسرائيل (الكيان الصهيوني) في نفس البيان.. فالرجل جاهز للتنازل لا عن دماء العرب التي أريقت في خضم الثورات كلها منذ سنوات، بل عن دماء الشهداء من أجل فلسطين من عشرات السنوات.
وبعد كل هذه التناقضات المريرة يقول الدكتور "منير" في الحوار الأخير: إن القوى الثورية لم تفق من صدمة الانقلاب بعد.. وهو يتحدث بعد 4 سنوات ونيف من الحدث السياسي.. ولم يخبرنا "منير" عن موعد الإفاقة المُنتظر للقوى الثورية.
أما الانقلاب فقد شنف الدكتور "منير" الآذان والأبصار بقوله لجريدة "الشرق" القطرية نفسها في 24 من يناير/كانون الثاني الماضي، وكانت صفته في الحوار نائب المرشد، وهو ما نفاه منذ سنة وأشهر وأهاب بالإعلام تحري الدقة؛ ليضيف أن هناك تقارباً وتواصلاً بين الإخوان وشرفاء في الجيش ومؤسسات الدولة يُؤذنُ بزوال الانقلاب.. ومنذ ذلك الحين حتى اليوم لم تتضح مفردات التقارب.. غير أن الدكتور "منير" يقول الآن: إن القوى المعارضة لم تفق من الصدمة.. فهل أفاق الموالون لـ"السيسي" الذين قال بوجودهم؟ وتصريحات "منير" تُقصي المتدينين من الجيش بسبب الاشتباه لا أكثر ولا أقل!
فإذا أضيف لذلك مقولاته بأنه كان على تواصل مع الأمن العام (أمن الدولة حالياً) أثناء اعتقاله قبل محنة 1965م، وطلب اللواء "حسن أبو باشا"، مفتش الجيزة وقتها رؤيته.. ونقله للصورة للإخوان والأمن على حد سواء وذلك في الحلقتين 13، و14 من برنامج "مراجعات" على شاشة قناة "الحوار" مع الدكتور "عزام التميمي"، فإن الأمر يشير بوضوح إلى أن شيئاً من الالتباس لدى الدكتور "منير" الآن في تعبيره عن الوقائع، فهو تارة يدعو للاعتراف بجميع الأنظمة العربية بل بالكيان الصهيوني الغاصب، وأخرى يقول إن الجماعة إصلاحية سلمية لا خوف منها على الأنظمة العربية، ثم ثالثة يؤكد أن جماعته ستزيل الانقلاب وربما تضطر لأن تتصدر الموقف من جديد!
ترى هل يقرأ الدكتور "منير" ما يصرح به ويقوله حتى قبل أن يعتذر عن أكثره أم أن الرجل سابح خلف ذكريات لا تسر الحبيب وتحير العدو؟ أم إنه بالفعل خارج عن إطار الزمان والمكان بفعل العمر.. وهناك أخفياء غيره متحكمون في المشهد.. ويقنعونه كل آن بما يتناقض مع الحقيقة وسابق تصريحاته.
ليت الدكتور "منير" استمع إلى نصيحة الشيخ الدكتور "يوسف القرضاوي" في 25 من يناير/كانون الثاني 2016م، وإلى اللجنة الموقرة التي كلفها للتحقيق في خلافات الإخوان وكان فيها خيرة رجالات الأمة، ليته استجاب هو وفصيله من القيادات المُعلنة والخفية.. وتنحوا عن مسؤولية يتصدرونها دون إدراك لها مع إشراك صُنّاع الشاي والقهوة، بخاصة في وجود أنهار الدماء المُسالة حتى الآن، وتعطيل جميع كوادر الجماعة عن التصدي للمشهد والبحث عن حل، بحسب المقال الأشهر للدكتور "التميمي" منذ أسابيع، بل ليت السيد "منير" يكتفي بما قال وصرح ويعتزل الأمر حفاظاً على أمانة ساهم في تضييعها ولم يحافظ عليها.. وإن راوغ وداور ولا يزال!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.