ونحن صبية صغار، غاب أحدنا عن الحارة بضعة أيام، ثم عاد ومعه كلب أسود كبير، لا نعرف عنه إلا أنه "كلب بوليسي"، لم نكن نعرف من أنواع الكلاب، غير ذلك التصنيف البدائي: "كلب بلدي" ، وهو المنتشر حرا طليقا في الشوارع والطرقات، وقد يعطف عليه أحدهم فيتولي تربيته أو إطعامه، والنوع الآخر "كلب بوليسي"، وهو ذلك الأسود الضخم، الذي كنا نعتقد – ونحن صغار- أن أي كلب من هذا النوع، مدرب بالفطرة، ولديه قدرات وإمكانات خارقة، لا لشيئ سوى لأنه "بوليسي" .
المهم.. عاد صاحبنا يختال بكلبه، يهدد به هذا، ويطلقه وراء ذاك، وفر الأولاد جميعهم هاربين، فيما حاول بعضهم التزلف لصاحب الكلب، فتوددوا إليه وتقربوا منه، أملا في أن يبقيهم بجواره في مأمن، دون أن يتعرضوا لأذى الكلب.
بقى الولد يضحك ويسخر من أصحابه وهو يراهم يفرون مفزوعين هنا وهناك، وما إن يتفرقوا، حتى ينادي على الكلب ويجلسه تحت قدميه، ليظن الأولاد أن اللعبة قد انتهت، فيتجمعوا واحدا تلو الآخر ويقفون على مسافة ليست بالبعيدة من الكلب وصاحبه، وما إن يتأكد الولد من تجمع أكبر عدد ممكن، حتى يعاود الكرة، ويبدأ اللعبة من جديد، فيطلق الكلب على أصحابه وهو يضحك في نشوة بالغة.
أحد الأولاد كان بدينا، أتعبه الجري أكثر من بقية أقرانه، فقرر بصوت عال أنه لن يجري أمام الكلب، وأمسك بعصا غليظ، وأعلن أنه سيدافع عن نفسه، وما يحصل يحصل.
أطلق صاحب الكلب كلبه، فتفرق الصبية، عدا ذلك الصبي البدين الذي قرر ألا يفر – قد تكون لحظة شجاعة منه، أو ربما وزنه الزائد لم يعد يتحمل الكر والفر- اقترب الكلب مهاجما الولد، ثبت الصبي في مكانه وهو يرتجف من الخوف، فكر لحظة في الفرار، لكنه حاول السيطرة على خوفه وأشاح بالعصا في وجه الكلب، هنا وقعت المفاجأة، أقدام الكلب تثبتت في الأرض، وصوت نباحه الذي كان يدوي في المكان قبل لحظات خفت، الكلب خاف من العصا، وبدأ يتراجع إلى الوراء.
نعم.. اكتشاف مذهل، الصبي البدين لم يصدق نفسه، أطلق صرخة مدوية، مرددا "الكلب البوليسي خائف، أخفت الكلب البوليسي" ، بدأ الكلب يتراجع شيئا فشيئا، رجع الأولاد عائدين، أحدهم أراد أن يختبر الأمر بنفسه، التقط عصا من الأرض، أشاح من بعيد في وجه الكلب، فزع الكلب، خطوات الكلب تتسارع عائدا إلى صاحبه، تصايح الأولاد، كل واحد منهم أمسك بعصا، ومن لم يجد اكتفي بأن يشيح بيده أو بقدمه في اتجاه الكلب، أخذوا الأولاد يطاردون الكلب، انضم إليهم من كانوا يتزلفون إلى صاحب الكلب، جميعهم يحاصرون الكلب الآن، أصوات الضحك تتعالى، الكلب يختبئ خلف صاحبه، لا.. لم يعد هناك "خلف"، الأولاد يحيطون بالكلب وصاحبه من كل اتجاه.
نسي الأولاد لعبهم، " تخويف الكلب البوليسي" أصبح لعبة أكثر تسلية، والكلب بات عبئا ثقيلا على صاحبه، ومصدرا للسخرية، الأولاد يطاردون الكلب وصاحبه، أخذ الولد الكلب وفر من بين أقرانه هاربا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.