منذ البدء وقبل قدوم الديانات السماوية المسيِّرة لكينونة الحياة البشرية وقوانينها.. كان المرء أسير غرائزه متتبعاً لشهواته ملبّياً لها بمختلف الوسائل؛ نتيجة عدم وجود ضوابط وفواصل تحيل بينه وبين ميوله، فأصبح الإنسان آنذاك شأنه شأن الدواب. وبعد مرور آلاف السنين، أنار الأنبياء وجه الأرض محمَّلين برسائلهم إلينا، مهتدين بنفحات طيبة من الله، مخلفين لكلمته ولقوانينه لحماية هذا الكون.
وقد مثل الإنسان مستهل محور الإصلاح والفلاح وتم التشديد على ما تحمله طبيعة هذا الكائن من تقلبات وانفعالات وغرائز، وتم ضبطها من خلال ما أحلّه الله، وصار فعل النكاح موثقاً بفعل الزواج، فيحل بوجوبه ويبطل ببطلانه، والغاية من قدسية الزواج هو كبح النفس وردعها عما نهانا الإله عنه والاستمتاع والاستكفاء بما تيسر لنا منه لترسيخ حكم الله في الكون أولاً، ولتحقيق رغبات النفس بدرجة ثانية ثم لتحديد نسل الإنسان بدرجة أخيرة.
وبتقدم الزمن وازدهار العصور وتطور الحضارات، ارتقى حضور العلم إلى حضور الدين وصارا يتساويان على كِفَّتَي ميزان من ذهب. وبحضور الفقه والدراية إلى جانب الإدراك الإيماني، لم يعد ابن آدم سبي غريزته؛ بل أحكمه عقله؛ لإعتاق نفسه بنفسه والسمو لذروة الخلافة الإلهية التي تقوم على طليعتَي الإيمان الكلي واعتماد الجانب العقلي بشكل إجمالي.
إن مداومة متابعة كل ما هو إباحي يُضعف العقل الذي كرمنا الرازق به؛ لتكريم ذواتنا ويغدو الإنسان متخاذلاً متواكلاً في نشاطه الفكري.
وعوّل الإنسان على فكره لطرح باطنه وتطوير معيشته وديمومة ما اختلقه بغاية التطور والإنشاء والتهيئة لما سيلحقه من أجيال ممتدة على مدى الأزمان، وقد سعى نحو ذلك سعياً جباراً عظيماً من خلال خلق فكرته وإسنادها إلى كل ما هو مادي وملموس، فتم صقل وتلميع الأدب وابتداع طرق مُثلى لتخليده. كما وقع ابتكار العلوم بمختلفها فصلح الحال وسكن البال.
ثم امتد حاصل لب عقول الأولين ليشمل الواقع المرئي للمعاصرين. وفي كل طور، يتم تعصير العلم والأدب حسب مآرب الحقيقة حتى بلغ الأمر إلى استحداث علوم التكنولوجيا والإنترنت بما تثمره من إيجاب وسلب في جنان الإنسان. ولعل أوضح سلبيات يمكن أن يدركها المرء من خلال انبثاث المواقع الإباحية بكثافة وسمة هذه السلعة على النفس البشرية وأثر ذلك على عقل المتابع.
فبمجرد تأمل مثل هذه الشبكات، فإن المكانة التي سعى إليها الإنسان منذ القدم قد بدأت تضمحل، وأن دأب رسلنا في إثبات كلمة الخالق وعدم زوالها قد أخذت تتوارى شيئاً فشيئاً..
أولاً: من الناحية الفقهية الدينية، ففي جميع الديانات الإبراهيمية وقع تحريم رؤية كل ما هو عورة لكلا الجنسين، وذلك يتم بغض البصر وحفظ النفس والعفة، وقد حلل الله ذلك بالزواج وما فيه من مستباح.
ثانياً: من الناحية العلمية، فإن مداومة متابعة كل ما هو إباحي يُضعف العقل الذي كرمنا الرازق به؛ لتكريم ذواتنا ويغدو الإنسان متخاذلاً متواكلاً في نشاطه الفكري.
ثالثاً: من الناحية الأخلاقية، فالقيم والأخلاق المكتَسبة تتنافى تماماً وترفض مثل هذه المواقع اللاأخلاقية، حيث إنه من الممكن أن تُحدث تغيّراً جلياً على سلوك وتصرفات الفرد.
وعلى الإنسان العاقل أن يعمل على تصحيح هذه الخطيئة، وقد وُجد بشأن هذا الأمر عدة حلول، مثل الامتناع تدريجياً عن مشاهدة هذه الرذائل واللجوء إلى ذكر الله على الدوام، وصون النفس بالحفاظ على طهارة القلب والوجدان، والتعفف بالزواج، والمطالعة القيمة والاطلاع على مختلف العلوم؛ لما في ذلك من تفضيل وتكريم للعقل. فلن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.