هل يعاملنا الله مثل أبي؟

ذهبنا معاً إلى متجره المفضل؛ كي نبتاع بعض الحلوى اللذيذة ولا أذكر كيف بدأ الحديث، وفي العادة أتركه يثرثر، ولكني أصررت هذه المرة على ألا أقاطعه، وأقول له جملتي المعتادة: "اتكلم عربي يا حبيبي" التي ربما هي الجملة التي أرددها كل مرة؛ كي يُبتر كل حديث بيننا، وطبعاً دون أن أقصد.

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/29 الساعة 02:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/29 الساعة 02:29 بتوقيت غرينتش

عدنا من مصر بعد الإجازة الصيفية ولم يتوقف عقلي عن التفكير: "لمَ تغيّر سلوك ابني الأكبر؟ لماذا لم نعد أصدقاء كما كنا؟".

لم أستطِع انتزاع كلمات أخي الأصغر من رأسي ونصيحته ما زالت تجول في عقلي جيئة وذهاباً وهو يقول: " يا شامة.. ابنك رغاي.. سيبيه يتكلم ويعبر عن نفسه".

كيف يقول لي هذا وأنا الأم المتفرغة تماماً لرعاية أبنائي وتربيتهم وأبذل قصارى جهدي؛ كي أساعدهم أن يكونوا ناجحين، حتى وقت فراغي أقضيه في قراءة ما يساعدني في تربيتهم؟

ولكني حينما جلست ونفسي أستعيد التفاصيل وأحاول لملمة الأمور، وجدت أنني فعلاً أسعى أن أستذكر لهم دروسهم، ولكني لا أشاركهم ألعابهم.. أطعمهم ما ينفعهم، وأكره الحلوى التي تسعدهم، أجتهد حتى تصبح الرياضة جزءاً من مهامهم اليومية، ولكني لا أسعى في تنمية مواهبهم وهواياتهم.. أقرأ القرآن على مسامعهم، ولكني لا أعلمهم كيف يحبونه.. أعلمهم الخوف من الله ولا أعلمهم كيف يلجأون إليه، مع أني لو فعلت لوفرت على نفسي الكثير من العناء.

حاولت استدراك خطئي، وما زلت أحاول أن أشبع فراغ أرواحهم بالمزيد من أوقاتنا معاً، ولكم هالني ما سمعت بعد عدة محاولات فاشلة لم أستطِع فيها أن أصل إلى ما يُعتمل في نفس صغيري حتى قمت بمحاولة أخرى يائسة فعلتها أخيراً، مدفوعة بقوة اليأس.

ذهبنا معاً إلى متجره المفضل؛ كي نبتاع بعض الحلوى اللذيذة ولا أذكر كيف بدأ الحديث، وفي العادة أتركه يثرثر، ولكني أصررت هذه المرة على ألا أقاطعه، وأقول له جملتي المعتادة: "اتكلم عربي يا حبيبي" التي ربما هي الجملة التي أرددها كل مرة؛ كي يُبتر كل حديث بيننا، وطبعاً دون أن أقصد.

ثم التفت لي في حدة وقال بنبرة أقرب إلى اليأس: "أنت تقولين لي إن الله طيب، إذن لم يبتلينا؟ وتقولين الله يغفر؟ إذن لم يعاقبنا؟ وتقولين هو كريم؟ إذن لمَ عطاؤه قليل أو لم يعطِنا الأشياء ثم لا يلبث أن يسلبها منا وكأنه تذكر ذنوبنا فقرر أن يعاقبنا بها مجدداً؟ وكأن الله مثل أبي لا ينسى الذنوب ولا يرضيه الإحسان، فيبتلينا مهما فعلنا من الطيبات!".

ورغم أن ما تردد على لسان صغيري أعدّه كفراً وربما خللاً عقائدياً قد يكون بسبب احتكاكه بمرضى العقائد اليومي أو ربما لأنه لم ير مثلاً جيداً وقدوة حسنة يصدقها، أو لربما لأنه اكتشف أن مقولة: "الله يكافئ الطيبين" هي فقط كذبة.. إنما الله يبتليهم أيضاً.

أعجبتني فلسفة الصغير الحائرة التي لخّصت حال الكثيرين منا، ولكنني قررت أن أنفض الغبار عن عقله الباحث وروحه اللاهثة وراء الحق والصدق.. فقلت له: يا صغيري لو فرضنا أن مدرستك في المدرسة أجرت اختباراً صعباً، هل سينجح الجميع؟ فأجابني: بالطبع لا.. فقلت: ومن سينجح؟ قال: من أخلص العمل والكد والمثابرة، فقلت: "ولله المثل الأعلى.. كذلك الله.. يختبر الجميع، يختبر المخطئ والمصلح ويبتلي الصالح والمفسد.. والفارق دائماً في ردة فعل كل منهما، فمن أصدق القلب وأخلص العمل سيكون إما صابراً و إما راضياً، وكلاهما سيحتسب وهنا تأتي نفحات الله والمكافأة فيما بعد، وقد يختار الله أن يدخر المكافأة كلها للآخرة وقد يختار أن تكون المكافأة جزءاً في الدنيا وجزءاً في الآخرة".

فقال الصغير: "إذن وكيف الحال مع من لم يخلص؟".
فقلت: لن يُكافأ.
فقال: ولكن هناك الكثير لا يعبدون الله وأغنياء وكثيرات لا يرتدين الحجاب وجميلات والكثير غير مؤمن وناجح!
فقلت: هم أغنياء وجميلات وناجحون، إما لأنهم اجتهدوا أو لأن الله لم يحرم أحداً، وهم حقاً محظوظون بما أوتوا في الدنيا، ولكن يا تُرى من في رأيك أسعد حظاً؟ المحظوظون في الدنيا فقط أم المحظوظون في الآخرة فقط؟
فقال: ربما المحظوظون في الاثنين معاً.
فقلت: فلنقل إن الله لم يجعلك من المحظوظين في الدنيا مثلاً فهل تريد أن تخسر الآخرة أيضاً؟
فقال: ولمَ لا أكسبهما معاً؟
فقلت: إذن اجتهد في صلواتك وكن قريباً لربك، إن اجتهدت سيُفلحك، وإن ابتليت سيصبرك وينجيك.. لا تحدثني أنه ابتلاك وأنت ما زلت تفعل الصالحات.. لو كنت مخلصاً محباً لله لصبرك الله.

فلم يرد فقلت: أوتعلم؟ هناك مَن هو أفضل منّي ومنك عند الله وابتلاه الله أيضاً أوتعلم مَن؟
فقال: من؟
قلت: نبيك محمد عليه الصلاة و السلام، ابتلاه الله وفقد أحب أبنائه إليه وابتلاه بعدما كان الناس يسمونه الصادق الأمين، فأطلقوا عليه ساحر شاعر ومجنون، ورشقوه بالحجارة وألقوا في طريقه الأذى والشوك حتى أُشربت قدماه الشريفتان بالدماء، ولما حدث له كل ذلك لم ييأس ولم يقنط بل لجأ إلى الله، وقال: "إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي". وانظر كيف كرمه الله؟ هل رأيت قائداً يتبعه الناس ويقتدون به بعد موته بأكثر من ألف عام؟

الله رحيم وكريم وغفور، الله واجد موجود يا بني، فقط أنت لا تذهب إليه، الله موجود ونحن فقط لا نذهب إليه.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد