ربع قرن من الفشل

لم أنجح في حياتي مطلقاً، أبلغ من العمر خمسة وعشرين عاماً، لم أذكر أني حققت إنجازاً في شيء ما خلال الربع قرن الذي عشته، لم أضف شيئاً للمجتمع، للوطن، للعلم، ولا لنفسي!

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/27 الساعة 05:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/27 الساعة 05:33 بتوقيت غرينتش

إن كنت ممن لم يستطيعوا التخطيط لمستقبلهم بجدية، أنصحك بعدم قراءة هذا المقال، فهو لن يزيدك سوى توهة فوق توهتك، أما إن كنت مِن مَن اصطفاهم الله واستطاعوا التخطيط لحياتهم جيداً، فلا مانع أن تلقي نظرة على هؤلاء الذين يعيشون حياتهم بكل غوغائية وفوضى.

أما بعد..
ما هو تعريف النجاح؟ إن بحثنا سنجد تعريفات كثيرة تخبرنا بالتفصيل ماهية هذه الكلمة التي تخبئ وراءها الكثير، لكن دعوني أوضح تعريفي -أنا- للنجاح.

النجاح: هو قدرة الفرد على تحقيق ما يريد، أياً كان ما يريده. إذا كنت تريد الحصول على ميدالية أولمبية وحصلت عليها فهذا نجاح، إن كنت تريد الزواج وبناء أسرة سعيدة وفعلت ذلك فهو نجاح، إن أردت الاستيقاظ يومياً في ساعة معينة، وواظبت على ذلك فهو أيضاً نجاح. النجاح نسبي.. يختلف من شخص لآخر، فلا يمكن لأحد أن يجعل معاييره للنجاح هي المعايير المطلقة، بل لا بد لنا أن ندرك أنها معايير متغيرة ليس لها أي أسس ثابتة، هي أسس فردية بحتة.

لم أنجح في حياتي مطلقاً، أبلغ من العمر خمسة وعشرين عاماً، لم أذكر أني حققت إنجازاً في شيء ما خلال الربع قرن الذي عشته، لم أضف شيئاً للمجتمع، للوطن، للعلم، ولا لنفسي!

لا.. أنا لا أقسو على نفسي كما تتخيل الآن، لكن دعني أخبرك بالمجالات التي كان يمكن أن أنجح بها ولم أفعل.

سنبدأ بالنجاح العلمي:
حلم طفولتي كان يتمثل في أن أصبح صحفية، حين كان يسألني أحدهم وأنا في المرحلة الابتدائية "تحبي تطلعي إيه يا حبيبتي لما تكبري؟" أجيب بكل تلقائية واندفاع "صحفية وأكشف الفساد"، أنهيت الابتدائية والإعدادية، وأصبحت في المرحلة الثانوية، أذكر أنني حين كنت في الصف الأول الثانوي دار بيني وبين أحد أقاربي هذا الحوار:
– عشان أطلع صحفية المفروض أدخل كلية إيه؟
= كلية إعلام طبعاً.
– طيب ودي بتاخد من مجموع كام؟
=95%.
– يـــــــاه، كتير أوي، مفيش كلية زيها بتاخد مجموع أقل.
= فيه آداب إعلام بتاخد من 85.%
– حلوة أوي دي.

وكانت تلك أول خطوة في عدم المثابرة والمعافرة من أجل ما نحلم به، ذاكرت بدرجة متوسطة في الثانوية، حصلت على مجموع 87%، وكانت أول رغبة لي (آداب إعلام حلوان).

تعتقد أنني كذلك وصلت لما أردت؟ دعني أخبرك أني في السنة الجامعية الثانية حين كان من المفترض اختيار التخصص اخترت قسم العلاقات العامة والإعلانات، بدلاً من قسم الصحافة؛ لأنني وجدت أن الدراسة في قسم الإعلانات أسهل!

لننتقل للنجاح المهني:
أعمل منذ كنت في السنة الدراسية الأولى في الجامعة، من يسمع ذلك يعتقد أن أمامه فتاة استطاعت أن تسير في طريقها المهني بكل قوة، ولكن للأسف لم يحدث ذلك على الإطلاق. سنوات عملي هي ثماني سنوات بالتمام والكمال، لا تندهش إن أخبرتك أنني خلال هذه الثمانية أعوام تنقلت بين أربعة مجالات ليس لها صلة ببعض، نعم أربع مهن مختلفة، أي بمعدل مهنة كل عامين، عملت أولاً في مجال الإعلام، ثم في الإدارة في أحد البنوك، بعد ذلك في المجال الترفيهي، والآن في مجال اللياقة البدنية.

ولا تندهش أيضاً إن أخبرتك أنني لم أجد نفسي أو شغفي في أي من هذه المجالات إلى الآن.

لنتحدث أخيراً عن النجاح العاطفي:
الوحدة موحشة، بل قاتلة، من منا لا يريد شريكاً بجانبه، يدعمه ويسنده في الأوقات الصعبة، يشاركه ضحكته وأحلامه، يحمل حمله ويبقى بجواره، ولكن كيف يأتي هذا الشريك؟ لم أمر بعد بتجربة عاطفية نجحت، لا أستطيع سرد تفاصيل؛ لأنها لا تخصني وحدي، بل هي ملك أشخاص آخرين رحلوا وأخذوا معهم ما يمكن أخذه من مشاعر وذكريات وثقة، وتركوا لنا إحساساً بالفشل بات يطاردنا كلما اقترب منا أحدهم؛ لنعلن راية الاستسلام والهرب حتى دون المحاولة في خوض المعارك من الأساس.

لم أنجح بعد، لم أسِر على أي طريق وأكمله للنهاية، لا أعلم ما السبب، ولا كيف لإنسان أن يفشل في جميع جوانب حياته كما فشلت أنا.

يقولون في علم الرياضيات إن أقصر طريق بين نقطتين هو الخط المستقيم، فماذا لو لم أجد نقاطي بعد؟!

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد