عَبَر الفتى الأطلنطي في محاولة يائسة منه لتأخير موعد اكتمال عقده الثالث لعدة ساعات، كان يودّ السفر بسرعة الضوء حتى يتوقف الزمن قبل تلك اللحظة التي تعلن فيها دقات الساعة أنه قد بلغ الثلاثين من عمره، وقع الرقم ثقيلاً على مسامعه كثيراً فلا يستسيغ فكرة كونه أصبح شاباً ثلاثينياً؛ ليطرح على نفسه عدة أسئلة:
هل هو راضٍ عما حققه حتى الآن؟
ربما يراه الكثير ناجحاً بمعاييرهم، ولكنه لا يرى نفسه كذلك بمعاييره الخاصة.
هل هو بالفعل على الطريق الصحيح؟ أم لا بد من تصحيح المسار؟
هل عليه أن يأخذ أول u turn في طريقه حتى يصل لوجهته؛ حيث أحلامه القديمة التي تركها خلفه بعد أن قرر أن يسير مع التيار؟
ذلك التيار الدافئ الهادئ الخالي من أي مطبات، اختاره بكامل إرادته، حياة روتينية صماء ليست بيئة خصبة لأي إبداع فالأمس كاليوم كالغد لا مفاجآت لا مخاطرات لا مجازفات، منطقة دافئة قاتلة لأي طموح.
هل حان الوقت لكي يلقي بنفسه في المنطقة الباردة حتى يجد جدوى لحياته وبحثاً عن ذاته ليذوق طعماً لنجاح مختلف لطالما تاقت نفسه إليه؟
أم أنه قد فات الأوان لتصحيح ذلك المسار، وعليه أن يمضي في طريقه الذي سلكه من البداية فلا الوقت ولا المسؤوليات الملقاة على عاتقه تسمح له بالعودة إلى النقطة صفر ليبدأ بدايته الجديدة.
يعلم تمام العلم أن الطريق القديم المطلوب أن يسلكه في وقت متأخر من عمره ليس معبّداً وليس مفروشاً بالورود.
يعلم أن استدارته للخلف لتصحيح المسار مجازفة غير محسوبة المخاطر، ربما سيمر بأنفاق ضيقة يكاد لا يرى فيها كفَّ يده، ولكنه يرى في نهايته طاقة نور بعيدة، ليسأل نفسه: هل هذه أحلامه المضيئة أم أحلامه المحترقة بعد أن تأخر عليها بعد أن فضّل السير في الطريق المُعبد الذي اختاره في البداية، هو لم يفضّله اختياراً بل فضّله إجباراً.
وجده طريقاً سهلاً كلاسيكياً الجميع يسلكه، ولكنه اكتشف أن يصل إلى اللاشيء، فقط لتتكسب بعض الماديات وبعض الحطام الدنيوي الزائل؛ ليعيش تعاسته برفاهية ليس أكثر.
فلا هدف محدد ولا خطة صلبة للغد، فقط هو رهين وظيفته الميري، وجد نفسه خريجاً في كلية لم يختَرها، بعد أن اختارها له مكتب التنسيق الذي اسمه ليس له علاقة بما يفعله بالطالب المصري الذي لا حول له ولا قوة.
ينتظر مصيره الذي يحدده له مجموع درجاته في الثانوية العامة، فلا رفاهية لأمثاله في الاختيار، فعليك أن تأكل مما يوضع أمامك بلا تزمّر ولا تضجر، هذه قاعدة كلاسيكية لأبناء الطبقة المتوسطة يجبر نفسه على النجاح فقط ليس حباً فيه بل خوفاً من الفشل ونظرة المجتمع له، لا بد له من خطة بديلة عاجلة، لا بد له من مراجعة دفاتره القديمة لعله يجِد شيئاً ينقذه مما هو عليه الآن.
إذاً لا بد من طرح سؤال مهم الآن: ماذا أجيد فعله أو كنت أجيد فعله يوماً ما بعيداً عن تلك الوظيفة اللعينة؟ لعل الإجابة تكون هي طوَّق النجاة الأخير.
ربما أجدها في جيتاري القديم القابع تحت سريري منذ أمد بعيد، والذي يرثى لحاله، أو ربما بداخل تلك القصاصات التي كتبتها يوماً ما، أو ربما في تلك الرسومات القديمة، أو في تلك الكاميرا القديمة التي أهداها لي والدي في عيد ميلادي العاشر، ربما الإجابة تأتي من شيء أحببته يوماً ما، ولكن الأيام أبعدتني عنه.
ربما تلك الهوايات القديمة هي الإجابة، هي فقط تريد نفض الغبار عنها، أو أن أصقلها بدراسة ما لتصبح فيما بعد عملي الجديد الذي أحبه ويحبني والذي أعمله بشغف.
نعم إنه الشغف عزيزي القارئ، هو المحرك والوقود الحقيقي للوصول للنجاح الحقيقي وليس للنجاح الزائف، فإن كنت تفقده الآن فيما أنت عليه الآن فأنت في خطر كبير، وعليك القفز من جزيرة الحوت التي أنت عليها قبل أن تغرق بك إلى أعماق سحيقة.
فقط كل ما عليك فعله هو الاستيقاظ، فعليك أن تجد إجابة لكل تلك الأسئلة؛ لتأخذ قرارك في أسرع وقت فما زلت في مقتبل العمر وما زالت لديك الفرصة لتصحيح المسار حتى تتحرر من هؤلاء الأحياء الأموات المحيطين بك؛ لترسم لنفسك طريق نجاح جديداً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.