الطفلة المعجزة.. مَن المسؤول عن اغتيالها نفسياً؟

أخذني هذا الفيديو الذي شعرت فيه بالإحراج لهذه الطفلة المسكينة إلى مقاطع فيديو أخرى منشورة لها على اليوتيوب، أحد هذه المقاطع كان في برنامج آخر وكانت الأم تدعّي أن الفتاة مخترعة وعبقرية وتستطيع الغناء والتمثيل، في نهاية الحلقة طلبت المذيعة من الفتاة أن تمثل لها مشهداً تمثيلياً فاختارت الفتاة مشهداً من مسلسل هابط ليس به أي نوع من الإبداع أو الفن، هو فقط إسفاف يعلوه إسفاف، وإذ بالفتاة تقوم بتمثيل المشهد وكأنها تُسمّع الدرس الأول في كتاب القراءة المدرسي!

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/25 الساعة 07:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/25 الساعة 07:20 بتوقيت غرينتش

استيقظت منذ أيام على موجة جديدة من أمواج السخرية المتلاطمة يومياً على مواقع التواصل الاجتماعي، الكثير من المنشورات التي تنتهي بهاشتاج تويني بلص تن، لم أفهم شيئاً حتى شاهدت فيديو ساخراً، وإذ بي وجدت فتاة صغيرة في عمر السادسة تقريباً تدّعي أمها أن الفتاة عبقرية وهي ثاني أذكى طفلة فالعالم؛ لتقوم الفتاة بعمل عملية حسابية مع أُمّها تنفيذاً لطلب المذيعة، وإذ بالمفاجأة أنها عملية حسابية بسيطة يستطيع أن يقوم بها أي طفل في عمرها ذو ذكاء متوسط وتلقى تعليماً جيداً!

أخذني هذا الفيديو الذي شعرت فيه بالإحراج لهذه الطفلة المسكينة إلى مقاطع فيديو أخرى منشورة لها على اليوتيوب، أحد هذه المقاطع كان في برنامج آخر وكانت الأم تدعّي أن الفتاة مخترعة وعبقرية وتستطيع الغناء والتمثيل، في نهاية الحلقة طلبت المذيعة من الفتاة أن تمثل لها مشهداً تمثيلياً فاختارت الفتاة مشهداً من مسلسل هابط ليس به أي نوع من الإبداع أو الفن، هو فقط إسفاف يعلوه إسفاف، وإذ بالفتاة تقوم بتمثيل المشهد وكأنها تُسمّع الدرس الأول في كتاب القراءة المدرسي!

الحقيقة أن الفتاة كان أسلوبها بشكل عام في الحديث أسلوب التسميع، وكأن هناك مَن قام بتلقينها تلك الإجابات.

قرأت منشور المذيعة التي كانت تبرئ فيه ذمتها من هذه الحلقة العبثية، وكانت تقول إن الأم هي مَن تصر وبالمستندات على أن ابنتها عبقرية ومعجزة.

الحقيقة أننا أمام مرض نفسي متفشّ في المجتمع، ولكن هذه المرة ظهر بأكثر الصور فجاجة وعبثية، فدائماً ما نرى هذا النموذج من أحد الأبوين الذي يفرض أحلامه وطموحاته التي فشل في تحقيقها في صغره على أبنائه المساكين، وكأنهم آلة تحقيق الأحلام أو جزء مستنسخ منه ملكه يستطيع أن يفعل بهم ما يشاء.

للأسف هذا النوع من الآباء والأمهات يحتاج إلى علاج؛ لأنه آلة ضغط وتشويه نفسي لأبنائهم.

الكثير من الناس لا يرى في هذا النموذج عيباً، ولكن في الحقيقة فهذا النوع لا ينتج لنا سوى تلك العقليات العقيمة المدمرة غير القادرة على أخذ قرار أو إنتاج أي إبداع.

أتعلم ماذا فعلت هذه الأم الجانية بطفلتها المسكينة؟! هي ستصنع منها إحدى هاتين الشخصيتين:

إما شخصية مغرورة نرجسية ومصرة على أنها معجزة وأذكى شخص في العالم، ولا ينتج عن هذه الشخصية سوى أفعال جنونية نرجسية بلهاء كل هدفها هو الظهور، ولن نرى منها أي شيء إبداعي أو استثنائي؛ لأنها شخصية مدمرة العقل والفكر.

أما هذه الشخصية الأخرى فهي ستكون كارهه لوالدتها وساخطة عليها؛ لأنها جعلتها مادة للسخرية أمام الملايين ستمتد لسنوات بوجود هذه الفيديوهات على الإنترنت، وطبقاً لهذه الشخصية ستقوم بأي شيء للانتقام من والدتها وكسرها مثلما هي كسرتها.

الحقيقة أن الشخصيتين لا تقلان سوءاً عن بعضهما، في النهاية تم إنتاج شخص مدمر ومشوه مليء بالعُقد والأمراض النفسية.

وعلى الناحية الأخرى فنحن شعوب لا ترحم، لم يسخروا من الأُم كما كنت أتوقع أو من المذيعة على أقل تقدير، بل من الطفلة ووصفها بأنها غبية، تخيل أن طفلة بهذا العمر لا حول لها ولا قوة تواجه كل هذه السخرية وبأنها غبية وبلهاء، تخيل كيف ستتعايش هذه الصغيرة بعد أن أصبحت تريند للسخرية وسط زملائها في المدرسة ووسط جيرانها وأقاربها؟! تخيلت؟

نعم تم اغتيال الطفلة نفسياً، قاموا بانتقاد الأم عما تفعله بطفلتها ولكنهم قاموا بالاشتراك معها في جريمتها بسخريتهم اللاذعة المنزوعة من الإنسانية والأخلاق بالانتقام من طفلة هي بالأساس ضحية لا ناقة لها ولا جمل، طفلة مجرد أداة في براثن أُمها تحركها وتصنع منها ما تشاء.

عزيزتي الأم أرجوكِ كفى! أغلقي الإنترنت الذي تتركينه في يد ابنتك طوال اليوم -على حسب قولها- فهو لن يصنع مخترعين ولا عباقرة، أغلقيه لأنه أصبح يغتال طفلتك الصغيرة المسكينة عمداً بالسخرية منها.

اتجهي إلى طبيب نفسي لتضميد جراح طفلتك؛ لتتعلم كيف تواجه كل هذا الطوفان من السخرية، وعليك أنتِ أن تتعلمي أن ابنتك ليست ملكك لتفعلي بها ما يحلو لكِ، أعلم أنك تحبينها وتريدين لها كل الخير، ولكن عليكِ أن تعيدي النظر في طريقة حبك لها.

أغلقي الأبواب عليك وتعلمي أن أحلامك التي لم تحققيها لا يجب عليكِ أن تفرضيها على طفلتك، فهي لها شخصيتها وأحلامها الخاصة المستقلة عنك، طفلتك أمانة رب العباد عندك، أهكذا تعاملين أمانة اللّه؟!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد