يبدأ هذا الفيلم "أميركان أساسن" (القاتل الأميركي) بقطعتي فيديو قصيرتين:
الفيديو الأول: يوم بداية غزو العراق (عام 2003)، عندما أعلن الجنرالات الأميركيون شعار "شوك أند أوو" (الصدمة والرعب)، وغطت بغداد، مع أذان صلاة الفجر من مآذن الجوامع، كتل عملاقة من النيران.
الفيديو الثاني: هجوم إرهابي على بلاج ملآن بسياح غربيين (مثل الهجوم على بلاج سوسة، في تونس، عام 2015، عندما قتل الإرهابيون 38 وجرحوا 39 سائحاً وسائحة).
ينطلق الفيلم من الجزء الثاني (لكن، في إسبانيا، وليس في تونس)، قتل الإرهابيون زوجة بطل الفيلم، متش راب (مثله الممثل ديلان أوبراين)، وجند الرجل نفسه ليقتل أكبر عدد من الإرهابيين، في أي مكان.
لكن، في تصميم قوي، قرر أن يتدرب أولاً. فعلاً، تدرب مع وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، بعد أن انضم إليها، وشرح للمسؤولين فيها هدفه، وأعجبوا بهدفه.
بل علموه، خلال تدريب عامين تقريباً، كيف يتكلم اللغة العربية وكأنه وُلد عليها.
هكذا، يقضي الرجل بقية الفيلم يقتل، ويقتل، ويقتل. يفعل ذلك ليس فقط بمساعدة "سي آي إيه"، بل بإشرافها على عملياته. أشرفت على العمليات السوداء نائبة مدير الوكالة (مثلتها الممثلة السوداء سناء لاثان).
أعجبت نائبة المدير بالرجل، ووصفته بأنه "متطرف إلى حدود اللامعقول"، وأمرت بأن يتابعه مدير قسم القوات الخاصة في الوكالة (مثله الممثل العجوز مايكل كيتون، ممثل أفلام "باتمان"، الرجل الوطواط).
تتنقل حوادث الفيلم بين إسبانيا، وتركيا، وإيران، ورومانيا (يوجد هنا واحد من السجون السرية لوكالة "سي آي إيه"؛ حيث يعتقل ويعذب إرهابيون، أو متهمون بالإرهاب)، وينتهي بطل الفيلم حراً طليقاً في دبي، وهو يبتسم.
وصفت صحيفة "واشنطن بوست" بطل الفيلم بأنه "قاتل الإرهابيين المتطرف"، وقالت إنه خلال الفيلم، "كان يرفض اتباع أوامر رؤسائه الذين يريدون قتل إرهابي لسبب معين، لكنه لم يطع الأوامر، ولم يعترض رؤساؤه على عدم إطاعته أوامرهم".
وأضافت الصحيفة: "هكذا، كل شيء في هذا الفيلم لا يصدق، كل شيء فيه عن رجولة بلا حدود، وكل شيء فيه يسبب السأم".
وقالت صحيفة "نيويورك تايمز": "يقدر الذي لم يشاهد أي فيلم عن التجسس (والقتل) أن يحب هذا الفيلم".
وقالت صحيفة "سياتل تايمز": "فعل بطل الفيلم ما هو مطلوب منه، لكنه لم يفعل ذلك بأي طريقة غير عادية تجعل الفيلم مثيراً".
لكن، قالت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز"، وكأنها لا تريد انتقاد الفيلم: "يوجد هنا تصوير غير عادي لموضوع عادي".
ولم تنتقد الفيلم، أيضاً، مجلة "رولينغ ستون"، وقالت: "يبدو الفيلم مكرراً، لكنه يدعوك لتحبه".
منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول (عام 2001)، عندما أعلن الرئيس الأسبق جورج بوش الابن "الحرب ضد الإرهاب"، بما في ذلك غزو أفغانستان، ثم غزو العراق، و"الحرب الكونية ضد الإرهاب" التي تظل مستمرة، أنتجت الاستوديوهات الأميركية تقريباً 100 فيلم عن الحرب ضد الإرهاب والإرهابيين.
يظل فيلم قتل أسامة بن لادن، مؤسس وزعيم تنظيم القاعدة، هو أشهرها، وأكثرها ربحاً، هذا هو فيلم "زيروا دارك 30" (30 دقيقة بعد منتصف الليل)، الذي صدر عام 2012، كلف إنتاج الفيلم 40 مليون دولار، وربح تقريباً 150 مليون دولار.
حسب مجلة "تايم"، نجحت أفلام ضد الإرهاب، ولم تنجح أخرى.
نجح فيلم قتل بن لادن، ولم ينجح فيلم "لونغ هاف تايم ووك" (سير طويل في نصف الوقت)، لم ينجح لأنه، كما قالت المجلة "ليس نوع الفيلم الذى يريده الأميركيون، إنه قصة سهلة، جزء منها في العراق، وجزء منها في الولايات المتحدة، لكن لا يريد الأميركيون القصة السهلة".
يبدو أن الأميركيين يريدون القتل، مثل قتل أسامة بن لادن، وأيضاً مثل القتل في فيلم "أميركان سنايبر" (القناص الأميركي) الذي عمل مع القوات الأميركية في العراق، وكانت وظيفته أن يقتل، ويقتل، ويقتل.
تكلف إنتاج هذا الفيلم 60 مليون دولار، وربح تقريباً 550 مليون دولار، وسجل رقماً قياسياً في هذا النوع من الأفلام.
وساعد على نجاح الفيلم، بالإضافة إلى القتل، والقتل، والقتل، أن مخرج الفيلم هو كلنت ايستوود، الذي بدأ حياته ممثلاً مشهوراً في أفلام الكاوبويات، حيث، أيضا، كان يقتل، ويقتل، ويقتل، مثل دوره في مسلسل "روهايد" (جلد خشن)، واحد من أشهر المسلسلات التلفزيونية الأميركية (خلال خمسينات وستينات القرن الماضي). باسم القانون والنظام، قتل الكاوبوي ايستوود أعداداً لا تحصى من الهنود الحمر.
هل يحب الأميركيون مشاهدة أفلام القتل بصرف النظر عمن كان القاتل أو المقتول؟
تحدث عن هذا الموضوع تقرير كتبه أطباء علم نفس في جامعتي ويسكونسن الأميركية واوغسبيرغ الألمانية، قال التقرير، اعتماداً على أبحاث ميدانية، وعلى دراسات الجمعية الأميركية لعلم النفس:
أولاً: عن تأثير أفلام العنف على الأميركيين: "لا يوجد شك في أن العنف في الأفلام السينمائية، وغيرها من وسائل الإعلام، يزيد احتمال العنف في حياة الناس..".
ثانياً: عن حب الأميركيين لأفلام العنف: "للبحث عن أسرار النفس البشرية، عما وراء القتل، مثل توقع مفاجآت الفيلم، والرغبة في حل تعقيداته".
وأضاف التقرير سبباً آخر: "حباً لانتصار البطل، أو عطفاً على الضحية"، يعني هذا وجود وازع أخلاقي، لكن، طبعاً، يعتمد ذلك على رأي كل شخص.
عن هذا، قال ليستر فريدمان،
أستاذ الدراسات السينمائية في جامعة نورث ويستيرن (ولاية إلينوي): "ربما يضع المشاهد نفسه في مكان الضحية، ويعطف عليه، وربما في مكان القاتل، ويعكس نفسية تسيطر عليها القوة والعظمة والاستعلاء". وأضاف فريدمان: "لكننا لا نتحدث كثيراً عن هذا السبب الأخير".
لكن تحدث عن هذا موقع "رانكر" (يقيم شعبية الأفلام والمسلسلات)، وقال: "نحب أفلام الحرب ضد الإرهاب؛ لأنها تساعدنا على التنفيس عما في دواخلنا (قتل الإرهابيين)."
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.