كانت أفضل وسائل العمل على مر التاريخ، طريقة "خطوط التجميع" الملهمة التي استحدثها هنري فورد. تركّز هذه الطريقة على الكفاءة التشغيلية، من خلال تكرار العامل الواحد الوظيفة نفسها التي يؤديها منذ أن يدخل إلى مكان عمله وحتى ينتهي يوم العمل، ثم يأتي الإنتاج تلو الإنتاج ومزيدٌ من الإنتاج. أو كما يمكن وصفه: إنه نموذج يشبه ما تغنت به المطربة الباربادوسية ريانا في إحدى أغنياتها: #WorkWorkWork.
في الوقت الحالي، تجري أتمتة المهام اليدوية والمتكررة ويجري إسنادها إلى الروبوتات؛ لذا فأين يضع هذا الاتجاه العمل البشري وخبرته؟ لا شك في أن البشر عليهم أن يستغلوا بعض الميزات التي لديهم وليست لدى الروبوتات، ألا وهي القدرة على التصور، ووضع الاستراتيجية، والإبداع، وإيجاد الحلول، بالإضافة إلى مهارات أخرى. رغم ذلك، وعكس ما تتطلبه المهام المتكررة التي تتم باستمرار، متى تحدث هذه "اللحظات الألمعية"؟
يتكون النموذج التصوري الاستراتيجي، الذي هو على النقيض من نموذج خطوط التجميع (حيث يكون هناك نشاط ثابت)، من مجموعة من العناصر التي تشبه ما يلي: لا شيء، ولا شيء، ولا شيء، وومضات من الألمعية، ثم لا شيء، ولا شيء، ولا شيء ( أجل، كما رأيتم؛ فليس هناك خطأ مطبعي). يصبح السؤال إذاً: كيف نعزز من استخدامنا الأوقات التي تقع بين لحظات الألمعية؟ الإجابة هي: الاكتشافات التي تحدث مصادفة!
ولكن، إن كانت لحظات الألمعية هذه تحدث فقط مع الاكتشافات التي تأتي مصادفة، فإن السؤال يكون: كيف يمكننا زيادة لحظات الاكتشافات التي تحدث مصادفة؟ أجل، أعني بذلك صياغة معادلة لزيادة الحظ، والفرصة، والقدر.
يقول ستيفن جونسون في كتابه "من أين تأتي الأفكار العظيمة؟" (Where great ideas come from) إن "الفرصة تفضل العقول المتصلة"، مما يعني أن التعاون يساعد على تكوين الأفكار الجيدة. فالجملة الشهيرة لجاري كريستين تقول: "كلما أعمل بكد أكثر، أصير محظوظاً أكثر". ولخدمة الغرض الذي كُتبت من أجله هذه المقالة، سوف أضيف كلمة واحدة إلى هذه الجملة، لتكون "كلما أخوض بكدّ أكبر في التشبيك، أصير محظوظاً أكثر". ليست مصادفةً أن تكون المسألة كلما عرفت أشخاصاً أكثر، أتيحت إليك فرص أكثر. فالتعاون والتعاضد هما دوافع رئيسية للإبداع، والإبداع يزيد من التصور، ولا يوجد "أنا" في التصور.
شاركت في ورشة عمل عن "إجادة المعرفة الشخصية"، قدمها هارولد جارش في التاسع والعشرين من شهر أغسطس/آب 2017. يقول جارش إن هناك 3 تصنيفات تحدث فيها عمليات التشبيك.
في الروابط الاجتماعية القوية التي تتطلب تفاعلاً منتظماً.
في الروابط الاجتماعية المتوسطة التي تتطلب تفاعلاً أقل انتظاماً.
وفي الروابط الاجتماعية الضعيفة التي توجد في التفاعلات غير المنتظمة.
تحدث الروابط الاجتماعية القوية في البيئة التي تكون موجوداً فيها باستمرار. (ما هو الشيء الذي تفعله كل يوم من الخامسة إلى التاسعة، من الأحد إلى الخميس؟) تميل هذه الروابط إلى كونها تتم في بيئة "فريق"، سواء كانت في مكان العمل، أو المدرسة، أو ما إلى ذلك. إنها تحدث عندما تتكرر التفاعلات والأنشطة وتكون تفصيلية وهو ما يفترض أن يبني الثقة. في هذه الروابط، نتعاون ونتشارك من أجل هدف مشترك.
تحدث الروابط الاجتماعية المتوسطة في بيئة تكون فيها التفاعلات أقل انتظاماً؛ إذ إنها تحدث خارج فترة "التاسعة صباحاً حتى الخامسة مساءً". (أيٌّ من الأنشطة الجماعية تشارك فيها برغبتك مرة أسبوعياً أو شهرياً؟) قد تتضمن هذه الروابط تجمُّعات مهنية، أو ورش عمل، أو منتديات، أو أنشطة اجتماعية، أو ما إلى ذلك. كما تعرف هذه أيضاً بمجتمعات الممارسة، وهي تقدم مساحة موثوقة للتشارك والتحقق من الأفكار الجديدة عبر المناقشات والمناظرات.
تحدث الروابط الاجتماعية الضعيفة في بيئات تكون فيها التفاعلات غير منتظمة. (أيٌّ من منصة التواصل الاجتماعي التي تشترك عليها؟) تشارك هذه المنصات في المعتاد معلومات وأفكاراً من دون توقعات باستقبال أي شيء. في هذه المنصات، توجد تعددية في الآراء والأفكار. وعلى هذه المنصات تتولد أفكار التعهيد الجماعي.
إن ضمان الانضمام إلى الشبكات سوف يرفع من فرص الاكتشافات التي تأتي مصادفة. يعود السبب في هذا أنك تعرّض نفسك لمزيد من الفرص المحتملة. وتذكر أن قانون المتوسطات ينطبق هنا. لذا، كلما زادت المخرجات كانت المدخلات أكثر تسبباً في السرور.
لا تعتبر إجادة المعرفة الشخصية أداةً يمكن أن تُطبق في إطار قائم (ربما من الممكن ذلك)، إنها تتعلق، بصورة أكبر، بإطار الإدارة الشخصية، كما أنها تساعد الأشخاص فيما يتعلق بمنهجم في النظر إلى المواقف بالمقام الأول، وكلما تزيد الشبكات التي تنضم إليها، تكون أسعد حظاً. الأمر الثاني أن هذه الشبكات المختلفة سوف تقدم مدخلات مختلفة إلى حياتك. فكيف تستغل شبكاتك إذا كانت أهدافهم تختلف من شبكة إلى أخرى؟ لنكون متصلين بالسياق الحالي، دعونا نعرف كلمة "شبكة".
تُعرّف شركة آي بي إم "الشبكة" بأنها "وسائل لتحقيق هدف ما أو الوفاء بحاجة ما". على الجانب الآخر، تعرِّف مجلة هارفارد بيزنس ريفيو "التشبيك" بأنه "بناء علاقلات". ومن ثم، فإننا إذا دمجنا التعريفين للأغراض التي كُتبت من أجلها هذه المقالة، يمكن تعريف "التشبيك" بأنه " بناء علاقات من أجل تحقيق هدف ما أو الوفاء بحاجة ما". تعتبر العلاقات جزءاً هاماً من التشبيك؛ لأنكم تتعاملون مع الأشخاص.
ولكي ترعوا شبكة، عليكم رعاية العلاقة. تتطلب رعاية العلاقة أيضاً مشاركة المعلومات والأفكار، وهو -على الأرجح- الفائدة الأساسية من التشبيك. والأكثر من هذا، أنكم مَدينون بأنفسكم لأحقية الإبقاء على شبكتكم مُطَّلعة وعلى "دراية"؛ لأن هذا يحسن من جودة شبكتكم.
فالشبكات في العموم ليست متجانسة في طبيعتها، وهي تنشأ من أجل خدمة أهداف مختلفة. تعتبر البِنْية والبيئة والتيارات الكامنة في شبكتك (أو شبكة عملك) الحالي مختلفة عن نظيرتها في شبكة مجتمعك، وهي تختلف أيضاً عما هو الحال في شبكة التواصل الاجتماعي.
تعد الشبكة الحالية لعملك هرمية، وذات بِنْية، وصارمة من حيث الطبيعة، بينما شبكة التواصل الاجتماعي تكون غير رسمية، ومترابطة ومرنة. يكمن جمال الشبكات في أنها توفّي الأهداف المختلفة داخل أي ديناميكية في العلاقة. لذا من أجل زيادة فرص الاكتشافات التي تأتي بالمصادفة، أدخِل نفسك في شبكات مختلفة تخدم أهدافاً متنوعة.
إذا كنت تبحث عن حلول آنية وعن الاستفادة من الشبكات الحالية، فهذه مجموعة من الأفراد ذوي العقول المتشابهة التي قد تملأ الفجوة في شيء ما فاتك التفكير فيه. وتذكَّر أن هذه الشبكة الأخرى هرمية وصارمة؛ لأن اتخاذ القرار يُترك لهؤلاء الموجودين على قمة المنظمة، فإن أي طريقة مجرَّبة ومختبَرة سوف تُستعمل. بالإضافة إلى ذلك، يوجد قليل من المساحة يُترك لحدوث الإبداع هنا؛ لأن التفكير يقتصر على القدامى.
على سبيل المثال، مجموعة من المهندسين يعملون معاً من أجل حل مشكلة ما. إذا كنت تبحث عن إبداع تدريجي، فاستخدم شبكة مجتمعك التي تتكون من مجموعة من الأشخاص، الذين ليسوا بالضرورة من نطاق عملك، ولكنهم بكل تأكيد في نطاق اهتماماتك. على سبيل المثال، مجموعة من الأفراد المهتمين بالعلوم، والتزلج، والطعام الصحي. سيكون هنالك مساحة للمناقشة؛ لأن التفكير ليس مُركزاً ومتمركزاً مثلما هو الحال في شبكة العمل. فثمة مقدمات للتفكير الجديد.
يكمن الجمال في هذه الجماعة، وأيضاً في المجموعات الحالية، في أنه يمكن استخدامها لمشاركة الأفكار على شبكات التواصل الاجتماعي؛ بل وأيضاً من أجل التحقق من هذه الأفكار واختبارها. وإذا كنت تبحث عن ابتكارات مزعزِعة، فاذهب إلى شبكة التواصل الاجتماعي الخاصة بك، حيث لا يكون التفكير مختلفاً وحسب؛ بل الفلسفات وأطر العمل أيضاً تختلف من شخص لآخر.
يحفز هذا من التصورات ويتحدى الوضع الراهن نتيجة لطرق التفكير المختلفة. وتشجع هذه البيئة الابتكارات المزعزعة.
لقد استغللت شخصياً الشبكات المتنوعة خلال رحلتي، وقد استغللت أبواباً عديدة من الشبكات في ريادة الأعمال، بينما كنت أبحث عن عمل، وبينما كنت أبحث عن توصية، وقد توصلت إلى أنها لم تزد من فرصي من الاكتشافات التي تحدث مصادفة وحسب؛ بل إنني كلما أعلن عبر شبكتي عن تصريح يتعلق بمشكلة ما، تزيد الاستجابات المزعزعة.
فجرِّبوا الأمر إذاً!
– هذه التدوينة مترجمة عن النسخة الجنوب إفريقية لـ"هاف بوست". للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.