من المثير للسخرية والألم أن تتصدر عبارة "الكرة حياتنا" أحد إعلانات شركة من شركات رعاة لعبة كرة القدم، وتظهر على شاشات كافة الفضائيات وهي تملأ جنبات ملاعب كرة القدم.
فما الرسالةُ الخفيةُ التي يريد هذا الإعلان الخبيث أو الغبي على أقلِّ تقدير زرعه في العقل الباطن لدى المشاهدين ومشجعي الكرة؟
لن تتقدم أمةٌ بطبيعة الحال بكرة القدم وتحقيق انتصارات فيها، ولن تعود لها أمجادُها في ملاعب كرة القدم، وبخداع الجماهير بانتصارات زائفة في ملاعب الكرة، كما كان يحدث في عصر مبارك.. انتصارات في ملاعب الكرة، واحتفاء هائل بلاعبي الكرة في كل وسائل الإعلام، وتجاهل تام للعلماء أو الأدباء في كافة المجالات، وتخلُّف وانهيار في كافة المجالات الصناعية والزراعية. لا بأس بطبيعة الحال في الاحتفاء بنجوم الرياضة أو الفن، ولكن يجب أن يكون هناك اهتمام أكبر بتحقيق تقدم في مجالات التعليم والثقافة والاقتصاد، بالتوازي مع الاهتمام الرياضي.
ومع التردِّي الذي نعيش فيه في كل مناحي الحياة تخرج علينا "إعلانات مشابهة" عن فك النحس "للوصول إلى نهائيات كأس العالم"، وكأن النحس يترصد ويطارد المصريين فقط ويحول دون تحقيقهم لانتصارات كروية، والوصول إلى نهائيات كأس العالم.
ثم يخرج علينا أحد رؤساء الأندية الكبرى ليتحدث عن السحر والشعوذة اللذين يتسببان في هزيمة فريقه وعدم فوزه بالبطولات، وليس عن فشله الإداري وفشل المنظومة الإدارية التي يترأسها. والحديث عن السحر والشعوذة بطبيعة الحال هو أحاديث العاجزين أو المخادعين، وفهم خاطئ لمفهوم الرياضة عموماً، ولكرة القدم على وجه الخصوص.
وكرة القدم شأنها في ذلك شأن أي نوع آخر من أنواع الرياضة مثل السباحة أو الكرة الطائرة أو ألعاب القوى، لها قواعد علمية وأصول تشملها العديد من العلوم المتخصصة، مثل الطب الرياضي، وعلوم الجهاز العصبي والحركي، واللياقة البدنية، وعلوم التغذية، وعلم النفس، بالإضافة إلى علوم الإدارة، وفن التسويق الرياضي.
بل وقد أصبحت كرة القدم صناعة ضخمة في العالم المتقدم، يديرها جيش من الخبراء والفنيين في كثير من المجالات، ولا يدخل في إدارتها بطبيعة الحال أي فرد من السحرة أو المشعوذين كما يعتقد هذا الأحمق.
ومن المؤكد أنه لو كان تحقيق الانتصارات في كرة القدم يتم بالسحر والشعوذة لسادت إفريقيا والدول الإفريقية كافة البطولات العالمية بلا منافسة.
ومن المضحك أن يقال إن لدينا كرة قدم من الأساس، ومدرجات الكرة خالية من جماهير الكرة، فلن تكون هناك كرة قدم حقيقية في مصر وجماهير الكرة الحقيقية غائبة عن المدرجات منذ سنوات، ولا يوجد فيها إلا حفنة من الباحثين عن الشهرة وعائلاتهم، فالكرة بالجماهير، وللجماهير العاشقة لها.
كرة القدم ليست حياتنا… ولن تكون.
يمكن أن يكون تحسين ورفع جودة التعليم حياتنا…
ويمكن أن يكون تحقيق التقدم والازدهار الاقتصادي هو حياتنا…
ويمكن أن يكون تحقيق نهضة صناعية هو حياتنا…
ويمكن أن يكون تحقيق نهضة علمية وطفرة في الصادرات هو حياتنا…
ويمكن أن يكون تحقيق نهضة رياضية تقوم على الاهتمام بصحة المواطن ولياقته البدنية هو حياتنا…
وإلا فإنها لن تكون سوى مخدر لتغييب عقول الشعب عن الواقع الأليم.. وتصبح كرة القدم مجرد نوع من الأفيون الذي يقوم بتخدير العقول…
فويل لأمة تكون لعبة كرة القدم، وليس التعليم أو الاقتصاد أو تحقيق التقدم الاقتصادي الذي يعتمد على تحقيق طفرة علمية هي حياتها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.